هذه المسألة؛ لأن معنى ما ذهب إليه فيها أن المقطع لما غاب عنها وتركها هذه المدة؛ دل ذلك من فعله على أنه قد سلمها وترك حقه فيها، فوجب أن تكون للذي عمرها وأحياها ببناء الحوانيت فيها، وإن لم يستأذن الإمام في ذلك على قياس قول أشهب، مراعاة للاختلاف في ذلك؛ إذ قد قيل: إنه ليس على أحد أن يستأذن الإمام في إحياء موات قريب من العمران، ولا ما بعد منه مع ضعف هذا الإقطاع؛ إذ ليس للعامل أن يقطع شيئا من الموات إلا بإذن الإمام، وهذا إذا لم يعلم الثاني بإقطاعها للأول، ولو علم بذلك؛ لكان متعديا، ولم يكن له إلا قيمة بنيانه منقوضا، وإن كانت عمارته إياها قبل أن يحوزها الأول بعمارة، أو بنيان بعض؛ لأن للإقطاع حكما من الأحكام لا يفتقر إلى حيازة على ما يأتي في رسم شراء الدور والمزارع من سماع يحيى من هذا الكتاب، فليس قوله في هذه المسألة، لا أراك حزت ما قطع لك بعمارة ولا بناء حتى جاء غيرك، فعمر وبنى بخلاف لما في سماع يحيى على ما ظنه أهل النظر، فالعلة في سقوط حق الأول فيما أقطع عمارة الثاني له بعد تركه إياها، ومغيبه عنه لما يظهر في ذلك من الرضا بتسليم حقه فيه لا ترك حيازته إياه بالعمارة كما ظن بعض أهل النظر، ولو كان الإقطاع يفتقر إلى حيازة، لوجب أن يراعى في ذلك موت المقطع، وذلك ما لا يصح بوجه من الوجوه؛ إذ لم يقطع ماله فيحتاج إلى أن يحاز عنه في حياته وصحته، وفي قوله: وارفع ذلك إلى السلطان، مع أنه قد رأى أمره ضعيفا دليل على القول بتصويب المجتهدين؛ لأن المعنى في قوله: وارفع ذلك إلى السلطان، فعساه سيرى أمرك قريبا فيقضي لك به بخلاف ما أراه، فلولا أنه يراه إن فعل ذلك باجتهاده مصيبا، وإن كان خلاف ما يراه هو باجتهاده، لما ساغ له أن يأمره بالرفع إليه؛ لئلا يخطئ فيقضي له بخلاف الحق عنده، وهذا نحو قوله في الأقضية من المدونة في الذي يرى خطه في ذكر حق، ولا يذكر الشهادة أنه يؤديها، وإن كانت لا تنفع عنده، وبالله التوفيق.