انصرف عن مرجهم إلى مرج غيرهم فهل [يحل] لهم أن يسدوا مصرف الوادي عن مرج الآخرين حتى يرجع إليهم؟ قال: إن كان الماء دخل أرضهم قبل أن ينصرف فهم أولى به حتى يسقوا به ما عندهم ثم يسرحوا الفضل إلى إخوانهم حتى يسقوا ما عندهم، وإن كان الماء إنما انصرف عنهم قبل أن يدخل شيئا من أرضهم فلا أرى لهم أن يقطعوه عن إخوانهم إلا أن يكون فيه سعة لهم جميعا؛ لأن الماء غيث يسوقه الله إلى من يشاء، وقد قال الله تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا}[الفرقان: ٥٠] يريد المطر، فإذا صرفه الله إلى قوم فلا ينبغي لأحد أن يقطعه دونهم إلا أن يكون ذلك الماء وقع في أرضهم فهم أولى به حتى يسقوا ما عندهم، فأما أن ينقلوه من مكان بعيد فيصرفوه إليهم دون من هو أقرب إليه منهم فلا، قال ابن القاسم مثله.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة، والأصل فيها قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سيل مهزور ومذينب:«يمسك الأعلى إلى الكعبين، ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل» ؛ لأنهما واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر، فقوله في هذه الرواية فهم أولى به حتى يسقوا ما عندهم يريد والحد في ذلك أن يبلغ الماء في مرجهم إلى الكعبين على ما جاء في الحديث، وقد اختلف إذا بلغ الماء إلى الكعبين هل يرسله كله إلى من تحته أو لا يرسل إليه منه إلا ما زاد على الكعبين؟ فقال ابن