قال المؤلف: قوله في الذين تجب عليهم الجمعة إنهم لا يجمعون إذا فاتتهم الجمعة ويصلون أفذاذا - هو المشهور في المذهب.
وقوله: لا إعادة عليهم إن جمعوا - صحيح؛ لأن منعهم من الجمع ليس بالقوي، وذلك أنهم إذا منعوا من الجمع ليحافظوا على الجمعة؛ لأنهم إذا علموا أنه يفوتهم بفواتها فضل الجمعة والجماعة لم يتهاونوا بها.
وقيل: إنهم إنما منعوا من الجمع لئلا يكون ذلك ذريعة لأهل البدع، وهذه العلة أظهر، فإذا جمعوا وجب أن لا يعيدوا على كل واحدة من العلتين.
وقد روي عن مالك: أنهم يجمعون، وهو قول ابن نافع وأشهب في المجموعة، فلم يراع على هذه الرواية واحدة من العلتين.
وكذلك من تخلف عن الجمعة لغير عذر غالب - المشهور أنهم لا يجمعون، إلا أنه اختلف إن جمعوا، فروى يحيى عن ابن القاسم في رسم "أول عبد أشتريه" فهو حر من هذا الكتاب: أنهم يعيدون، وقال ابن القاسم في المجموعة: إنهم لا يعيدون، وقاله أصبغ في المتخلفين من غير عذر، وهو الأظهر، إذ قد قيل: إنهم يجمعون؛ لأنهم وإن كانوا تعدوا في ترك الجمعة فلا يحرموا فضل الجماعة.
والاختلاف في الإعادة على من جمع في الموضع الذي يقوى فيه ترك الجمع، وهو أن يتخلفوا عن الجمعة لغير عذر أو لعذر غالب - مبني على اختلافهم فيمن وجب عليه أن يصلي فَذًّا فصلى بإمام، فعلى هذا لا يعيد الإمام.
والمشهور في الْمَرْضَى والمسجونين أنهم يجمعون لأنهم مغلوبون على ترك الجمعة.
وقد روى ابن القاسم: أنهم لا يجمعون، وهو غير المعروف من قوله.
ووجهه: أنهم وإن كانوا غلبوا على ترك الجمعة فيمنعون من الجمع من ناحية الذريعة.
واختلف ابن القاسم وابن وهب في المتخلفين عن الجمعة لعذر يجيز لهم التخلف عنها مع القدرة على شهودها.
وسيأتي هذا في رسم "باع شاة" من هذا السماع.
واختلافهما في ذلك على الاختلاف في علة منع من فاتته الجمعة من الجمع هل هي من أجل الذريعة أو ليحافظوا على الجمعة، وبالله التوفيق.