السداد بطول المدة، إذ ليس هو حق لمعين فيحمل عليه بطول السكوت أنه راض بترك حقه في ذلك، فالواجب في ذلك ما ذكر من أن يخرق من السد موضع تمر منه الخشب والقوارب لمنافع الناس من حوائجهم وصيدهم، ولا يهدم جميع السد فيبطل على صاحبه رحاه وإن كان المرور في النهر يسهل بذلك؛ لأن الضرر على صاحب الرحى بإبطال الرحى عليه أكثر من الضرر الذي يلحق المارة في مرورهم على الموضع الذي خرق منه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اجتمع ضرران نفى الأصغر الأكبر» فتأوله أهل العلم في مثل هذا المعنى، وهو كثير في غير ما وجه واحد، ولو أراد رجل ابتداء أن ينشئ رحى في حقه على النهر ويقطعه بسد لم يكن ذلك له إلا أن يترك بالسد بابا مفتوحا يمر به من احتاج إلى المرور فيه [إذا كان المرور فيه] متصلا، وإن لم يكن متصلا كان له أن يسده في الأوقات التي لا يحتاج الناس إلى المرور عليه لأن النهر كالطريق فلا يباح لأحد أن يحدث فيه ما يقطعه، ولا يمنع من أن يحدث فيه ما ينتفع به مما لا يضر به ولا يقطعه، وأما إن أراد أن يحدث فيه ما يضر به بعض الضرر ولا يقطعه فذلك إلى اجتهاد الإمام القاضي في أي الضررين أكبر إن كان الذي على المارة فيه أو على الذي يمنع من منفعته فيما يريد أن يبني فيه أو ينشئ عليه، وقد وقع في المبسوطة لمحمد بن إبراهيم المدني خلاف قول ابن القاسم هذا، قال: وسئل محمد بن إبراهيم المدني وكتب إليه من الأندلس عن الخشب التي تقطع بالمغرب عندنا فتطرح بالوادي فربما مرت بأصحاب السداد [فيمنعونهم من خرق السداد] وهم يصلحونها كما كانت فقال: إن كان خرقهم إياه يضر بصاحب السد لم أر أن يخرقوا شيئا، وإن كان لا يضر بهم وهم يصلحونه لا يخاف عليه حاله من أجل ما أخرق