فيزرع وقد استأجر فيه أجراء ثم يعجز فيه فيستدين ثم يفلس، قال: يبدأ صاحب الدين الآخر فالآخر، وإنما يكون ذلك إذا فلس ولم يكن له شيء يحيي به الزرع فاستدان في عمله وحياته، فالآخر يبدأ وهو خير للذي قبله أحياه له ولم يدعه يموت، فإن فضل فضل أخذه وإلا فلا شيء له؛ لأنه كان يموت ويذهب، وكذلك إن كان الأجراء قبل أوجروا فإنه يبدأ الآخر.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه استدان دينا فزرع به زرعا واستأجر في عمل الزرع أجراء بدين فعمل الأجراء ما استأجرهم عليه ثم عجز عن بقية عمل الزرع فاستدان دينا آخر فاستأجر به أجراء على بقية عمل الزرع فيبدأ الدين الآخر على الدين الأول وعلى إجارة الأجراء، فإن فضل فضل عن الدين الآخر بدئ فيه الأجراء على الدين الأول، وهي مسألة صحيحة على معنى ما في الرهون من المدونة في الزرع يرتهن فيخشى عليه الهلاك فيأخذ الراهن من رجل آخر مَالًا فينفقه فيه - أن الآخر يكون أحق بالزرع، فإن فضل فضل كان للمرتهن الأول.
وعلى قياس القول [الأول] فإن أجير السقي أحق بالزرع من الغرماء، وقد اختلف في ذلك فقيل: إنه أحق في الموت والفلس، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز وقول ابن الماجشون وأصبغ في الواضحة، وقيل: إنه أسوة الغرماء في الموت والفلس جميعا، وهو قول المخزومي، وقيل: إنه أحق في التفليس دون الموت، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، والقياس قول المخزومي؛ لأنه لم يبع منه الزرع فيكون أحق به، وإنما باع منه منافع قد استهلكت، ولكلا القولين الآخرين وجه من النظر، وذلك أن الزرع لما كان ناميا بسقي الأجير صار كالبائع له ويده عليه إلا أنه في أرض المستأجر المفلس، فمن غلب كون يده عليه رآه أحق به في الموت والفلس، كمن باع سلعته ففلس المبتاع قبل قبضها، ومن غلب كونه