أن تجحدني إلا العشرة فاطرح عني اليمين وأنا أكتبها عليك إلى سنة، فقال: ما هذا بحسن، أرأيت لو قال أعطيك قرضا؟
قال محمد بن رشد: قول مالك هذا إنه لا يجوز له أن يطرح عنه اليمين على أن يؤخره بالعشرة دنانير هو على أصله في المدونة، بدليل قوله في كتاب الصلح منها: إن الرجل إذا ادعى على الرجل مائة دينار فصالحه منها على خمسين إلى أجل إن ذلك جائز إذا كان مقرا؛ لأن العلة في أن ذلك لا يجوز عنده إذا كان منكرا إسقاط اليمين عنه على أن يؤخره، إذ من حق المدعي عليه أن ينكل عن اليمين فيردها على المدعي فيكون إنما أخره ليسقط عنه اليمين، خلاف قول ابن القاسم إن ذلك جائز وإن كان منكرا.
وقوله أظهر؛ لأن الأيمان إنما هي شرع تعبد الناس بالحكم بها في الظاهر وهي غير واجبة في الباطن، إذ لو كشف لنا عن حقيقة الأمر لم تكن ثم أيمان، فالمدعي يعلم إذا كان محقا أنه لا يمين عليه وأن تحليف المدعى عليه إياه بصرف اليمين عليه ظلم له، فلم يسقط عن نفسه بالتأخير شيئا واجبا عليه.
فالذي أقول به في هذه المسألة: إن تأخير الحق عنه على أن يسقط عنه اليمين جائز إن كان المدعى عليه يعلم وجوب الحق عليه، وغير جائز إن كان يشك في ذلك؛ لأن من حقه أن يحلفه إذا كان يشك فيما يدعيه قبله، ولا يحل له ذلك إذا علم أن الحق قبله.
ووقع في سماع أشهب من كتاب الحمالة والحوالة مسألة، قال فيها بعض الشيوخ: إنها معارضة لرواية أشهب هذه، وهي أنه سئل: عمن كانت له على رجل مائة درهم فسأله أن ينظره ويتحمل له بها حميل، فقال: لا بأس بذلك.
ولا تعارض عندي بين المسألتين؛ لأن المعنى فيهما مختلف.
ووجه جواز تأخيره لحقه على أن يتحمل له به حميل: هو أنه لو شاء أخذ منه حقه معجلا، فإذا أخره به على أن يتحمل له به حميل فهو بمنزلة ما لو أسلفه إياه ابتداء على أن يأخذ منه به حميلا.
ولو كان معسرا إن قام عليه لم يجد عنده إلا بعض حقه لما جاز أن يؤخره بالجميع على أن يعطيه به حميلا، والله الموفق.