البيع والسلف إذا وقع يفسخ على كل حال، ويحتمل أن يكون إنما رأى فسخه من أجل أن السلف قد قبض، مثل قول سحنون وما ذهب إليه ابن حبيب من أن السلف إذا قبض فقد تم الفساد ووجب فسخ البيع ولم يجز إمضاؤه برد السلف.
وأما إن كان ما وقع في ذكر الحق ظاهره الصحة على ما ادعى البائع فلا يمين للمبتاع عليه فيما ادعاه من الفساد، إلا أن يقول: كنا أشهدنا على الحلال ومعاملتنا في السر على الحرام، فتلزمه اليمين إن كان ممن يتهم باستحلال مثل هذا، ولا تلزمه اليمين إن كان ممن لا يتهم بذلك.
ولو باع منه السلعة بمائة دينار نقدا على أن يسلف البائع المبتاع عشرة دنانير إلى شهر وكتبا بذلك ذكر حق تشاهدا عليه، فقال البائع: إنما بعتك السلعة بمائة دينار على أن أسلفك من ثمنها عشرة دنانير إلى شهر، فالبيع صحيح لا فساد فيه؛ لأن مآله إلى أن بعت منك السلعة بتسعين دينارا نقدا وعشرة دنانير إلى أجل، وقال المبتاع: إنما اشتريت منك السلعة على أن تسلفني عشرة دنانير من غير ثمنها فالبيع فاسد؛ لأنه يدخله بيع وسلف، وذهب وعروض بذهب معجلة ومؤجلة لوجب أن يكون القول قول البائع مع يمينه؛ لأنه مدعي الصحة، فإن نكل عن اليمين فسخ البيع بالنكول دون أن ترجع اليمين على المبتاع لتشاهدهما على الفساد في الظاهر، بدليل ما وقع في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الدعوى والصلح في مسألة الذي يصالح الوارث على جميع حظه من ميراث رجل وله حظ مجهول في منزل ببلد آخر، فادعى أحدهما على صاحبه أنه علم ذلك الحظ ففسد الصلح لوقوعه عليه، فأنكر أن يكون علم به أو وقع الصلح عليه ليصح فيما عداه مما علما به، فقال: إنه يحلف ما علم به، فإن نكل فسخ الصلح، يريد دون رد يمين؛ لأن الظاهر أن الصلح قد وقع عليه؛ لأنه من المورث وهما قد تصالحا على جميع المورث.
وقد قال بعض الشيوخ: إن رد اليمين في هذه المسألة خلاف قوله في مسألة كتاب الدعوى والصلح المذكورة، إذ قال فيها: إن البيع يفسخ دون رد يمين، وليس ذلك بصحيح، بل يرجع اليمين في ذلك في وجه دون وجه على ما فصلناه، وبينا القول فيه وشرحناه، وبالله التوفيق.