وفي آخرها غمز وكسر ولا يحملها القياس، وأشهب يخالفه فيها ويرى أن يفلس وإن كان يعرف ملاؤه في غيبته، سألته عنها فقال لي: واحتج، قال لي: أرأيت رجلا حاضرا بمصر وله مال بالأندلس لا يدرى ما حدث عليه، ألا يفلسوه؟
قال أصبغ: وذلك القياس عندي، وهو أعجب لي.
وقد قال في كتاب القضاء المحض: قول ابن القاسم أحب إلي استحسانا، قال: والقياس قول أشهب.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة تكلم فيها على وجهين: أحدهما: بيع مال الغائب لغرمائه، والثاني: تفليسه.
فأما بيع ماله لغرمائه فلا اختلاف في وجوب بيع ذلك لهم كما لو كان حاضرا، إلا أنه يختلف هل يُستأنَى بذلك إن خشي أن يكون عليه دين لسواهم أم لا، فقيل: إنه لا يستأنى به؛ لأن له ذمة، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه في بعض روايات المدونة، وظاهر قوله في هذه الرواية، وقيل: إنه يستأنى به ولا يعجل بقضاء من حضر حتى يستبرأ أمره ويجتمع أهل دينه كالميت الذي لا ذمة له، وهو قول ابن القاسم وغيره من الرواة في المدونة.
وهذا في الحاضر والقريب الغيبة، وأما البعيد الغيبة فلا اختلاف في وجوب الاستيناء به إذا خشي أن يكون عليه دين.
وأما تفليسه حتى يقضى دين من لم يحل دينه ويكون من وجد سلعته أحق بها إذا جهلت حاله فلا اختلاف في أنه لا يقضى بذلك في القريب الغيبة حتى يكتب في أمره ويكشف عن حاله، ولا في أنه يقضى بذلك في البعيد الغيبة.
واختلف إن علم ملاؤه في بعد غيبته، فقيل: إنه يفلس، وقيل: إنه لا يفلس، على القولين المذكورين في هذه الرواية.
وهذا الاختلاف إنما هو عندي فيما كان على مسيرة العشرة الأيام ونحوها، وأما الغيبة البعيدة على مسيرة الشهر ونحوه وفي مثل مصر من الأندلس فلا اختلاف في أنه يجب تفليسه فيها وإن عرف ملاؤه، وبالله التوفيق.