إذا اعتبرت اضطراب؛ لأنه قال فيها: إنه لا ينظر إلى الذين شهدوا لهذا ولا لهذا، وأرى أن يرسل ويدس في ذلك أهل الصلاح في السر.
وقوله فيها إنه لا ينظر إلى الذين شهدوا لهذا ولا لهذا، يريد إذا تكافأت البينتان في العدالة فوجب أن يبقى مسجونا على الأصل في أنه محمول على الملأ حتى يثبت عدمه، وهو قد قال: إنه يرسل، فيقوم من الرواية قولان: أحدهما: أنه ينظر إلى أعدل البينتين، فإن استوتا في العدالة سقطتا وبقي مسجونا على حاله فكانت بينة العدم على هذا أعمل عند تكافئ البينتين، والثاني: أنه ينظر إلى أعدل البينتين، فإن استوتا في العدالة سقطتا أيضا وأرسل من السجن حتى يسأل عنه في السر فينكشف من حاله ما يوجب أن يعاد إليه، فكانت بينة العدم على هذا أعمل عند تكافئ البينتين.
وفي المسألة قولان آخران: أحدهما: أن بينة العدم أعمل وإن كانت أقل عدالة، وقع هذا القول في أحكام ابن زياد لمحمد بن غالب وغيره من معاصيره، قالوا: إن شهادة الذين شهدوا على اليسار أعمل ويحبس بشهادتهم حتى تقوم بينة أنه أعدم بعد ذلك بجائحة أصابته.
ووجه ما ذهبوا إليه أنهم رأوا أن الذين شهدوا بملائه علموا من حاله ما جهلته البينة الأخرى التي شهدت بعدمه، فجعلوا ذلك من باب الزيادة في الشهادة.
والقول الثاني: أن شهادة العدم أعمل وإن كانت أقل عدالة وهذا القول يتركب على قياس قوله في هذه الرواية إنه ينظر إلى أعدل البينتين؛ لأنه لا ينظر إلى أعدل البينتين إلا عند استوائهما جميعا في ألا مزية عند أحدهما في زيادة معرفة أو علم على الآخر أو إذا لم يجعل للذين شهدوا بالملأ مزيد في العلم والمعرفة على الذين شهدوا بالعدم على مذهبه في هذه الرواية، وهو الصحيح في المعنى، إذ لم يثبتوا الشهادة بأنهم يعرفون له مالا أخفاه وإنما شهدوا أنهم يعلمونه عديما في ظاهر حاله كما شهدت البينة الأخرى أنهم يعلمونه عديما في ظاهر حاله، وجب أن تكون بينة العدم أعمل من بينة الملأ؛ لأن بينة العدم أوجبت حكما وهو إطلاقه من السجن إن كان قد سجن أو ارتفاع السجن عنه فيما ثبت عليه من الدين إن كان لم يسجن، وبينة الملأ لم توجب حكما؛ لأنها أبقته على حكم الأصل من كونه محمولا على الملأ الذي يوجب سجنه بما ثبت