الرجل الذي وضع على يديه الرهن الأول الذي يحمل له بما نقص من رهنه، فحل أجلهما فقضاه بعض حقه، ثم لقيه بعد ذلك فقال: إنما قضيت لك الحق في الحمالة التي فيها الرهن، وقد أعلمتك ذلك عند القضاء، فأنكره ذلك وقال: بل هذا من الآخر. قال: قال مالك: أرى أن يقسم الذي اقتضى بينهما، فإن كان الأول ستين، والآخر ثلاثين، كان قد اقتضى من الأول عشرين؛ ومن الآخر عشرة، للأول الثلثين، وللآخر الثلث، يقسم عليهم بالحصص إذا كان مثل هذا، فعلى مثل هذا النحو يكون فيه الأمر.
قال محمد بن رشد: قوله: إنما قضيت لك الحق في الحمالة التي فيها الرهن غلط، وإنما صوابه في الرهن الذي فيه الحمالة؛ لأن السلفين في كل واحد منهما رهن، ولا حمالة إلا في أحدهما، وقوله: أرى أن يقسم الذي اقتضى بينهما، يريد بعد أيمانهما، يحلف كل واحد منهما على ما ادعاه، فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا، قسم ما اقتضى بين المالين كما ذكر، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف. ووجه ذلك، أنه لم ير واحدا منهما أشبه بالدعوى فوجب إلا يبدأ أحدهما على صاحبه باليمين، وهذا مثل ما في كتاب الكفالة من المدونة في الجعل، أحدهما من قرض، والآخر من كفالة، ومثل ما في كتاب الرهون منها في الحقين يكون في أحدهما رهن دون الآخر. وقد قيل: إن القول قول القابض مع يمينه، وهو قول غير ابن القاسم في كتاب الكفالة من المدونة وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس. وقيل: إن القول قول الدافع مع يمينه، وهو قول ابن كنانة ورواية محمد بن صدقة بن حبيب عن مالك، وكذلك لو اختلفا عند القضاء، في أي الحقين يبدأ بالقضاء؟ لجرى الأمر فيه عندي على هذا الاختلاف، إلا أنه لا يمين في شيء من ذلك. وقد فرق في سماع أبي زيد، من كتاب المديان والتفليس، بين اختلافهما عند القضاء، وبعد القضاء، على اختلاف وقع في ذلك في الرواية، فانظر ذلك، وأنعم النظر فيه. وبالله التوفيق.