قال الإمام القاضي: وكذلك لو اشترط تكون الأرض رهنا بيده إلى ذلك الأجل، لجاز ذلك؛ لأن الأرض يجوز أن تباع على أن تقبض إلى أجل، بخلاف العروض والحيوان التي لا يجوز أن تباع على أن تقبض إلى أجل، فلو باع رجل شيئا من الحيوان أو العروض بثمن إلى أجل، واشترط أن يبقى ذلك بيده رهنا إلى ذلك الأجل لم يجز، وكان بيعا مفسوخا. كذلك روى ابن وهب عن مالك في الحيوان، قاله ابن القاسم في العروض، ولو وضع هذه الأشياء التي لا يجوز ارتهانه إياها عند بيعها على يدي غيره، لكان ذلك جائزا، وكان أحق به من الغرماء. وقد قيل: إنه لا يجوز أن يبيع الرجل شيئا من الأشياء بثمن إلى أجل، على أن يكون له رهنا بحقه وإن وضعه على يدي عدل، قال ذلك أصبغ ورواه عن أشهب في سماع سحنون من كتاب السلم، والآجال، وعلى قياس ذلك يأتي ما حكى ابن حبيب في الواضحة من رواية أصبغ عن ابن القاسم، أنه لا يحل أن يتواضع الثمن في البيع المضمون، ولا بأس بالرهن والحميل من البائع إذ انتقد الثمن، والعلة في ذلك عندهما أنه إذا حل الأجل وأعسر بالثمن، بيع الدار، فإن كان فيها فضل كان للمشتري، وإن كان نقصان فعليه، فكأنه باع منه دارا أو شيئا لا يقبضه، على أن يكون له ما زاد، وعليه ما نقص، وقد اختلف إذا وقع على هذا القول، فقيل: إنه بيع فاسد، يسلك به مسلك البيع الفاسد في كون الغلة للمشتري بالضمان، وسائر أحكام البيع الفاسد، وقيل: أنه ليس ببيع فاسد، وإنها هي إجارة فاسدة، كأن رب الدار استأجره على أن يبيعها له بثمن سماه، على أن يكون له ما زاد على الثمن إجارة له، فإن باعها كان الثمن لرب الدار، وكان للذي باعها أجر مثله، في بيعه إياها، وإلى هذا ذهب أصبغ، على ما اختاره من اختلافهم في الذي يبيع من الرجل السلعة على ألا نقصان عليه، فقد قيل فيها القولان جميعا، اختلف في ذلك قول مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة.
وقد مضى القول على هذا في سماع سحنون من كتاب السلم والأجال.