من عمل الناس صحيح لا إشكال فيه؛ لأنه عمل ما يجوز له، فوجب أن يرجع بذلك على المستحق فيما يجب له به الرجوع عليه فيما عمره وبناه تفصيل واختلاف، أما إذا كان ذلك بحدثانه قبل بلاه، ففي ذلك قولان؛ أحدهما: أن له النفقة، وهو قوله في هذه الرواية. والثاني: أن له قيمة النفقة. والقولان في المدونة على اختلاف الرواية فيها. وقد قيل: إن ذلك ليس باختلاف من القول، والمعنى في ذلك أن له النفقة إن كان لم يغبن فيها، وقيمتها إن كان غبن فيها، فيرجع ذلك إلى أنه يكون عليه الأقل من النفقة، أو من قيمتها، وأما إن كان ذلك بعد أن طال الأمر وبلي البنيان، فلا يكون له على المستحق إلا قيمة بنائه قائما على حالته التي هو عليها قبل البلى قولا واحدا. وهو قول مالك في رسم مسائل وبيوع من سماع أشهب، من كتاب الشفعة.
ووجه العمل في ذلك أن يقال: كم قيمة الدار اليوم على ما هي عليه من هذا البنيان القديم؟ وكم كانت تكون قيمتها اليوم، لو كان هذا البنيان الذي فيها جديدا؟ فينقص ما بين القيمتين من النفقة التي أنفق، أو من قيمتها على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك، فما بقي كان هو الذي يجب به الرجوع للمشتري على المستحق، فإن أبى أعطاه المشتري قيمة النفقة، فإن أبى كانا شريكين، وقد قيل: إنه إن أبى المستحق أن يعطيه قيمة البناء، كانا شريكين، ولم يكن للمشتري أن يعطي رب الدار قيمة النفقة، ويخرجه عنها.
والقولان في آخر كتاب الغصب من المدونة، ولم ير عليه غرم ما هدم من البناء، ولا ما قطع من النخل؛ إذا كان لما فعل من ذلك وجه، ولم يكن عبثا، هذا مذهبه في هذه الرواية، بدليل قوله: ما أرى عليه شيئا إذا كان ما يعمل الناس، وقوله يقيم البيت خربا حتى يقدم هذا من الأندلس، معناه: أنه لما كان له هدمه ليصلحه، ولم يكن عليه أن يبقيه، لم يكن عليه في هدمه ضمان، وضعف أن يكون له رجوع فيما بنى من بنيان الأمراء بقوله: لا أدري ما هو قوله صحيح؛ لأنه أتلف ماله لما أنفقه فيما لا يسوغ له من السرف المنهي عنه، وبالله التوفيق.