أرض كانت في يديه، فاشتراها، فاستحقها رجل، فقيل للذي استحقها: اغرم له قيمة غرسه وعمله، فقال: ما بيدي ما أعطيه اليوم، وما أريد إخراجه، فليسكن حتى يرزق الله ما أودي إليه، ولينتفع بعمله حتى يأخذ حقه، فكره صاحب الغرس تأخير ذلك، وقال: أما إذا قضى علي بالخروج، وصار ما في يدي لغيري، فلست أقيم فيما لا حق لي فيه، مع ما أخاف من نقصان قيمة عملي بتأخير أخذ القيمة منه. قال: يغرم المستحق ما وجب عليه من القيمة، ولا يؤخر للعشرة، فإن كره أو كان معدما، قيل للعامل في الأرض: ادفع إليه قيمة أرضه، ثم تكون لك وما أحدثت فيها؛ فإن أبى أو كان معدما، كانا شريكين في الأرض والعمارة، على قدر قيمة الأرض، وقدر قيمة العمران، وأمرهما مثل الذي استحق في يديه أرض عمرها وهو يراها مواتا. قال: وإن رضي ذلك الذي عمر الأرض أن يؤخر المستحق، على أن يقره ينتفع بعمارته ما حل ذلك بينهما؛ لأن حقه قد وجب معجلا، فهو يؤخره على الانتفاع، فهو بالأرض والعمران الذي قد صار للمستحق بالقيمة التي يؤخره بها، وهو كالسلف الذي يرضى لصاحبه بتأخيره.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها. ورواية المدنيين فيها عن مالك، أن صاحب العمارة لا يخير، ويكونان شريكين إن أبى المستحق أن يعطي صاحب العمارة قيمة عمارته، خلاف مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك، وقوله: ولو رضي الذي عمر أن يؤخر المستحق، على أن يقره ينتفع بعمارته، لم يحل؛ لأنه سلف جر منفعة؛ صحيح على ما قاله، ولو أكراه منه المستحق بما وجب له عليه من قيمة البناء، لم يجز عند ابن القاسم؛ لأنه الدين بالدين، ويجوز على مذهب أشهب؛ لأن قبض أوائل الكراء كقبض جميعه، وبالله التوفيق.