أحدهما بعد الآخر، فأفسد الآخر زرع الأول؛ إن للأول على الثاني قيمة زرعه الذي أفسده؛ لأنه زرعه بوجه شبهة على ما يدعي من حقه، وليس له أن يقنع زرع الباقي، وإن استحق الأرض في الإبان؛ لأنه زرعه أيضا بوجه شبهة على ما يدعي من حقه.
وقوله: إن الثاني يغرم للأول قيمة الفول الذي أفسد عليه على كل حال، استحق هو الأرض، أو استحقها الذي أفسد الفول، يريد قيمة الفول على الرجاء والخوف، كأن أفسدها بعد أن نبتت، ولو كان حرث الأرض وزرعها قبل أن ينبت الفول؛ لكان عليه مكيلة الفول إن علمت، أو قيمة ما يزرع في مثلها من الفول إن جهلت، ولا يدفع إليه فولا، مخافة أن يكون أقل أو أكثر، فيدخله التفاضل فيما لا يجوز التفاضل فيه.
هذا إذا اتفقا على الجهل بالمكيلة، وأما إن تداعيا في ذلك، وادعى كل واحد منها المعرفة، فالقول قول الغارم مع يمينه، إلا أن لا يشبه قوله، فيكون القول قول صاحبه، إن أشبه قوله أيضا، وإن لم يشبه قول واحد منهما حلفا جميعا، وكان عليه قيمة ما يزرع في مثل الأرض من الفول، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف منهما، وإن لم يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه من دعواه بنكوله، وإن ادعى أحدهما المعرفة وذلك يشبه، كان القول قوله.
وقوله: إنه ليس للذي استحق الأرض أن يقلع زرع الثاني، وإن كان الإبان لم يفت، صحيح، لا اختلاف فيه؛ لأنه زرع بوجه شبهة على ما يدعي من حقه في الأرض، ولو لم تكن له شبهة في دعواه؛ لكان حكمه حكم الغاصب، مثل أن يأتي إلى الأرض رجل بيده، فيزرعها في مغيبه، ويدعي أنها له بوجه يذكره، ولا يأتي على ذلك بينة ولا سبب.
وقوله في الرواية: ولو كان غائبا أمر مستحقها بطرح ما فيها، ولم يحل بينه وبين الانتفاع بأرضه، صحيح، وهذا إذا كانت له قيمة منفعة إن قلعه، ولو لم تكن له فيه منفعة إن قلعه، لما كان له أن يقلعه، ويكون لرب الأرض، ولو أراد إذا كانت له فيه منعة، أن يتركه لرب الأرض لم يكن ذلك له، إلا أن يرضيه؛ إذ لا يلزمه قبول معروفه، ولو أراد رب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا؛ لكان ذلك له؛ لأنه في أرضه،