للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيأتي الذي استحق عليه الغصب بالبينة، أنه اشتراها منه، ولا تدري البينة متى كان الاشتراء، بعدما ادعاه من الغصب أو قبل، أو يعلم ذلك، ويثبت أن الغصب كان قبل الاشتراء. قال ابن القاسم: بينة الاشتراء أحق وأولى وأثبت، علم أن الغصب قبل أو لم يعلم؛ لأنه إن كان الغصب قبل الاشتراء، فقد اشترى بعد الغصب وبطل الغصب وما فيه، وإن كان الاشتراء قبل الغصب، فشهادة الذين شهدوا على الغصب باطل، ولا حجة له فيها، فشهادة الاشتراء أحق وأثبت.

قال محمد بن رشد: زاد ابن حبيب في الواضحة في هذه المسألة متصلا بآخرها: إلا أن يكون الشهود الذين شهدوا على الشراء، إنما شهدوا أنه اشتراها منه، وهو مغصوب بحاله، ولم يرد إليه، ولم يملكه، فيكون شراء مفسوخا مردودا بالغصب الذي كان قبله، ويرد الثمن الذي أخذ فيه عن مطرف وابن القاسم وأصبغ.

وهذا الذي زاد ابن حبيب في الواضحة، في هذه المسألة، وحكاه عمن حكاه من أصحاب مالك، صحيح، ينبغي أن يحمل على التفسير للمسألة؛ لأنه إذا اشتراها منه قبل أن يردها إليه ردا صحيحا بين بها، وينقطع خوفه عنه فيها؛ لكونه على حاله من الظلم والتعدي والقدرة على الامتناع من جريان الحق عليه، فهو شراء فاسد؛ لأنه مغلوب على بيعها منه، وإن كان مقرا له بها؛ إذ لا يقدر على أخذها منه، وأما إن كان اشتراها بعد أن عزل وعاد ممن تأخذه الأحكام، فالشراء صحيح؛ لأنه لا يشتريها منه إلا وهو مقر له بها، وإذا أقر له بها، وأنه غصبه إياها، وهو ممن تأخذه الأحكام، فلا فرق في جواز شرائه إياها منه، وهي بيده قبل أن يردها إليه، أو بعد أن ردها إليه، وقد أجاز ابن القاسم في الصرف من المدونة شراءه الجارية منه إذا كان مقرا بقبضها، وإن كانت غايته قد حملها إلى بلد آخر إذا وصفها، من أجل أنه ضامن لما أصابها، واعترض ذلك سحنون من أجل مغيبها

<<  <  ج: ص:  >  >>