الصلاة بالكيمخت فغضب علي وقال: ما هذا التعمق؟ قد كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلون بأسيافهم- وفيها الدم، فلم يزدني على هذا، قال ابن القاسم: ما يعجبني. وروى سحنون عن علي بن زياد، عن مالك، أنه سئل عن الكيمخت، فقال: ما زال الناس يصلون بالسيوف- وفيها الكيمخت، وما يتقون شيئا. وأخبرني موسى بن معاوية الصمادحي، عن جرير، عن عبيدة، عن إبراهيم، قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجعلون الكيمخت في سيوفهم، ويقولون دباغة طهره.
قال محمد بن رشد: الكيمخت: جلد الحمار، وقيل: إنه جلد الفرس، والحمار والفرس لا يؤكلان عند مالك، فلا تعمل الذكاة في لحومهما، ولا يطهر الدباغ جلودهما للصلاة بهما وعليهما؛ واختلف قوله في جلد الميتة مما يؤكل لحمه، فالمشهور عنه أن الدباغ لا يطهر إلا للانتفاع به دون الصلاة عليه، وروى أشهب عنه في كتاب الضحايا ما ظاهره أن الدباغ يطهر، وهو قول ابن وهب في سماع عبد الملك، ومن أهل العلم من يرى أن الدباغ يطهر كل جلد حتى جلد الخنزير، ولعموم قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» . ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه لا يطهر إلا جلود الأنعام؛ إذ قد قيل: إنه لا يتسمى إهابا في اللغة إلا جلد الأنعام، وأما سائر جلود الحيوان فإنما يقال له جلد ولا يقال له إهاب؛ فالصلاة بالكيمخت على أصل مذهب مالك لا يجوز، إلا أنه استخفه للخلاف فيه، واستجازة السلف له، ورأي المنع له والتشديد فيه من التعمق الذي لا ينبغي. وكرهه ابن القاسم للخلاف فيه من غير تحريم، فقال: ما يعجبني. وقد مضى في سماع أشهب من كتاب الوضوء وجه استعمال الآثار الواردة عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في هذا الباب.