فالجوائح توضع في ثلث ذلك، ولا توضع في أدنى من ذلك إلا الموزَ فإنه لا توضع فيه المساقاة ولا توضع فيه الجائحة حتى تبلغ الثلث، وأما الزعفران والبقل والريحان والقرط والقصب والكسبر فإن الجوائح في قليله وفي كثيره، ولا تصلح المساقاة، وأما الكمون فإنه تجب فيه المساقاة بمنزلة الزرع، وإنما يراد منه حبه ولا يراد منه شجره، وأما الموز والمقاتي والباذنجان، فهذه ثمار وكل ما كان من الثمار من الفاكهة وغيرها فذلك لا جائحة فيه حتى يصيب الثلث.
وما كان يباع من الفول أخضر والجلبان وما كان من صنف هذه فأصابته جائحة فلا يوضع حتى تبلغ الثلث لأنه يرجع إلى أصله وهو ثمرة، وهذه الأشياء لا تجوز فيها المساقاة إلّا أن يخاف صاحبها العجز.
قال محمد بن رشد: هذا الأصل الذي أَصّلَه ابن القاسم في رواية سحنون هذه عنه على مذهبه فيما عدى الأصول من أن ما جازت فيه المساقاة من ذلك لم توضع الجائحة فيه إلّاَ أن تبلغ الثلث فصاعدا، وما لم تجز فيه المساقاة من ذلك وضعف الجائحة في قليله وفي كثيره إلا الموز فإنه لا تجوز فيه المساقاهَ ولا توضع الجائحة فيه إِلَّا أن تبلغ الثلث فصاعدا وجههُ أن المساقاة لا تجوز فيما يحل بيعه لأنها إنما أجيزت للضرورة فيما لا يحل بيعه إن لم يقدر على الاستيجار عليه باعه وانتفع بثمنه، وما لا يحل بيعه لم يقدر على الاستيجار عليه هلك وضاع، وقد «نهى رَسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن إضاعة المال» لأنه سبب للحياة وَعَونٌ على الطاعة، وأن البقول إنما وضعت فيها الجوائح لا القليل والكثير لأن المشتري لها لم يدخل مع البائع على تلف شيء منها إذ ليست بثمرة توكل خضراء وهو يقدر على جذها حين ابتياعه لها، إذ لا يجوز ابتياعها إِلا بعد أن ينتفع بها ويُمكِن جَذَاذُها، بخلاف الثمار التي لا يقدر على جذها حين اشتراها حتى يتناهى طيبها فقد دخل مع البائع على أنه لا