قال محمد بن رشد: قوله إن كان أسكنه بيتا في الدار فذلك جائز معناه إن كان البيت يقع في ثلث الدار فأقل، وأما قوله وإن كان أسكنه الدار كلها فليس بجائز وهي ترد في الميراث فذلك ما لا اختلاف فيه وإنما يختلف إن كان أسكنه جلها أو ما هو أكثر من الثلث منها؛ لأن حيازة الكبير للصغار ولنفسه كحيازته لنفسه لو كان هو المحبَّس عليه وحده، فالمنصوص عليه لابن القاسم وأصبغ في الواضحة أن ما حازه الكبار لأنفسهم يجوز وإن كان الذي سكن الأب من الدار هو الأكثر، وفي آخر كتاب الرهون من المدونة في بعض الروايات أن الكل يبطل إذا سكن الأب الأكثر من الدار سواء حاز الأب البقية للصغار أو حازه الكبار لأنفسهم، ومثلُه لابن القاسم في رسم إن خرجت بعد هذا من هذا الكتاب، وأما الدور إذا سكن الأب أكثرها وحاز الكبار لأنفسهم بقيتها فيجوز لهم ما حازوه على ما قاله ابن القاسم في رسم إِن خرجت من سماع عيسى، ولا أعرف في ذلك نص خلاف.
وفرق أصبغ ما بين الدار والدور فقال: في الدور إن كل دار منها صغرت أو كبرت تصير كأنها محبسة على حدة، فإن سكن الأب جلها أو أكثر من الثلث منها بطل الحبس فيها كلها إن كان الأب هو الحائز لبقيتها، وإن كان الكبار هم الحائزون لبقيتها جاز لهم ما حازوه منها، وأما ما سواها من الدور فيجوز الحبس فيما حازه الأب للصغار أو حازه الكبار لأنفسهم، ومذهب ابن القاسم في الدور أن الأب إذا سكن الجل منها بطل الباقي إن كان الأب هو الحائز له، وجاز للكبار إن حازوه لأنفسهم، والحبسُ والهبة والصدقةُ في ذلك كله سواءٌ على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وَفَرَّقَ مطرف وابن الماجشون بين الهبة والصدقة وبين الحبس فقال في الحبس: إذا كان هو الحائز له كقول ابن القاسم في أن سكناه اليسير منه لا يُبطل الحبسَ لماله من العذر في سكناه ليكون بإزائه لعمارته وإصلاحه وتسكينه، وقال في الهبة والصدقة وفي الحبس إذا لم يكن هو الحائز له إما بأن يكون الحبس على من يَحُوز لنفسه وإما بأن يكون على من يحوز له فأسند حيازته إلى غيره إِن ما سكن يبطل وما لم يسكن