قال محمد بن رشد: ابن الماجشون لا يجيز في شهادة السماع أقل من أربعة شهداء، وإجازة ابن القاسم شهادة السماع في هذه المسألة خلاف مذهبه في المدونة؛ لأنه قال فيها: إن شهادة السماع لا يثبت بها النسب ولا الولاء، ويقضى له بالمال دون ثبات النسب والولاء، فعلى ما في المدونة لا تجوز شهادة السماع في الحبس إلا مع القطع بأنها تحترم بحرمة الأحباس، وذلك بين من مذهبه في المدونة، وهو على أصله فيها أنه يقضي بشهادة السماع بالمال، ولا يثبت بذلك النسب ولا الولاء، فكذلك باليد للمحبس دون أن يثبت الحبس، وقد مضى في نوازل سحنون من كتاب الشهادات تحصيل الخلاف فيما يجوز فيه شهادة السماع مما لا يجوز، فلا معنى لإعادته هاهنا.
وقول ابن القاسم في هذه الرواية: إنه لا تجوز شهادة الشاهدين على السماع في الحبس إلا أن يكونا شيخين قديمين قد أدركا الناس وباد جيلهما - معارض لما له في كتاب الصيام من المدونة من إجازة شهادة شاهدين على رؤية الهلال في الصحو والغيم؛ لأن الذي يأتي في مسألة الصيام على قياس قوله في هذه الرواية ألا تجوز شهادة الشاهدين على رؤية الهلال إلا في الغيم.
ويتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يجوز في السماع على الحبس إلا أكثر من شاهدين في كل حال وهو مذهب ابن الماجشون الذي ذكرناه، والثاني: أنه تجوز شهادة شاهدين في كل حال، وهو الذي يأتي على قوله في المدونة في مسألة الصيام، والثالث: تفرقته في هذه الرواية، ومعنى ما أجازه من شهادة السماع في هذه الرواية إذا كانت المدة قد طالت طولا تبيد فيه الشهود، قال في الشهادات من المدونة مثل الأربعين سنة والخمسين، وفي سماع عيسى من كتاب القسمة أن في عشرين سنة تبيد الشهود، وابن الماجشون يجيز شهادة السماع في الخمسة عشر عاما.
وقد اختلف إذا لم يشهد على الحبس إلا شاهد واحد عدل، ففي كتاب ابن المواز، قال أصحابنا: إذا كان مبتلا ومعقبا فلا يصح فيه اليمين، وقال