ولوجب أن يكون من المال الذي قال المقارض إنه اشتراها منه، ولم يكن في ذلك كلام ولا خلاف، فقوله: إذا لم يدر المقارَض من مال من اشترى السلعة الرفيعة فيتداعيا فيها إنّ ذلك بمنزلة من استودع مالين لرجلين لأحدهما مائة، للآخر خمسون فنسي صاحبَ المائة من صاحب الخمسين، وادعيا جميعا المائة إنهما يحلفان عليها ويقتسمانها وتبقى الخمسون بيد المستودع ليس لها مودع إلى آخر قوله، يقتضي ألّا يلزم المقارَض ضمان بنسيانه، ويحلف كل واحد من صاحبي المال على السلعة الرفيعة أنه اشتراها من ماله، ويكون من ماليهما جميعا نصفها من مال هذا ونصفها من مال هذا، وتبقى الأخرى بيد المقارض إذا لم يكذب أحدُهما نفسَه في دعواه السلعة الأولى ويقول: بل هذه هي التي اشترى من مالي فتكون من ماله ويخلص السلعة الأولى كلها، وفي هذا اختلاف، قد قيل: إنه لا يقبل دعواهما فيه بعد أن أَنْكَرَاهَا، وقيل: إنها تكون لهما بإقرار المقارَض أنها لأحدهما، وإن كانا متماديين على إنكارها.
وقول سحنون في هذه المسألة: إن المقارَض لا يلزمه ضمان لنسيانه من اشترى السلعة من ماله يأتي على قياس رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الدعوى والصلح في الرجل يقر بالوديعة لأحد رجلين لا يدري من هو منهما؟ أنه لا يلزمه غيرُها وتكون بينهما بعد أيْمَانِهما، ومثل قول ابن كنانة في مسألة الرجل يأخذ من الرجل ثوبا من كل واحد منهما على أنه فيه بالخيار فيردهما ولا يعرف ثوب هذا من ثوب هذا ويدعيان جميعا أحدَهما ويُنكر الآخر، إن الثوب الذي ادعياه يكون بينهما بعد أيمانهما ويبقى الآخر بيد المشتري حتى يأتي له طالب.
وقد ذكرنا ذلك والاختلاف فيه فيِ سماع يحيى من كتاب بيع الخيار، ويأتي في هذه المسألة على قياس ما مضى في رسم القطعان من سماع عيسى من هذا الكتاب في المقارَض بالمالين يزعم أنه ربح خمسين دينارا لا يدري من أي المالين، أنه لا شيء له من الخمسين وتكون لصاحبي المالين أن يلزمه لكل واحد منهما ضمانُ الثمن الذي اشترى به السلعة من ماله، وهي رواية أَبِي زيد عن ابن القاسم في سماعه بعد هذا، قال: هما مخيران بين أن يضمناه السلعتين