القراض لجاز لخفة ذلك ويسارتِه، فأرى القراض صحيحا، وأرى لرب الدابة شرطه وأراه كفاسخٍ القراضَ الأول، فيقارضه ثانية بزيادة في الشرط؛ لأنه لم يعمل ولم يخرج، وقد كان لرب المال استرجاع ماله على هذا، فهو كقراض مستأنف له كما لو لم يكن بينهما ذكر دابة ولا كراء، فيقارضه على الثلث فلم يخرج حتى بَدَا لرب المال فاستغل ذلك فرجع إليه فسأله أن يزيده في الشرط ويأخذه على النصف أو يرده، ففعل كان ذلك جائزا، وكان ذلك له ولم يكن به بأس، وحمل أمرهما على الأمر الثاني، فكذلك هذا في مسألتك إذا كان أمر الدابة خفيفا مما قد كان يجوز اشتراط مثلها مع القراض ونحوها بمثلها، فإن كان على غير ذلك وكان لها بال وزيادة بينة في القراض وعون كبير يسافر عليها إلى مصرٍ من الأمصار ويحمل عليها الأمر الغليظ الذي يكف غيره من الأكرية ويكون زيادة بينة كبيرة فالقراض فيها فاسد ولو ابْتُدِئ، فكذلك في عاقب مسألتك حين أراد الخروج فجعله له بتلك الزيادة بالشرط وبما يخرج ويستوجب العمل والقراض فهو كالاِبتداء به، وهو فاسد عندي وينقض ما لم يفت، فإن فات بالعمل فهو أجير على قول ابن القاسم في الزيادة إنه بها أجير ويذكره زَعَمَ عن مالك، والربح والنقصان لرب المال، وعليه للعامل إجارة مثله كالرسول والأجير.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إِن القراض ليس بإجارَة تلزم بالقول، وهو يشبه في بعض حالاته الجُعل ويفارقه في أكثر أحواله، فله حكم على حياله يشبه المساقي إلا أنه لا يلزم بالعقد ولا بالقبض، وكل واحد منهما بالخيار ما لم يُشْغَلْ المالُ أو بعضه أو يسافر به، فإن شغله لم يكن له أن يرده ولا كان لرب المال أن يسترده حتى ينض، وكذلك إن سافر به لم يكن له أن يرده في غير البلد الذي أخذه فيه ولا لرب المال أن يأخذه منه بعد أن شخص