قلت: فإن اختارت البيع، وقالت: بيعوني من فلان، وقالوا: نبيعك في السوق. قال: ذلك لهم؟ وليس لها ذلك، ولا يوضع من ثمنها شيء.
قلت: فإن اختارت البيع، فقالوا لها: إذا رضيت بالملك فنحن نحبسك ولا نبيعك، قال: ليس ذلك لهم إلا برضاها، فإن رضيت بترك البيع، وأن تكون ملكا لهم، ثم أحبوا بيعها فذلك لهم.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى أن تخير جاريته بين العتق والبيع: إنه لا يلزمها ما اختارت من ذلك، ولها أن ترجع عنه ما لم ينفذ فيها باختيارها بيع أو عتق، هو مثل ما تقدم في رسم القطعان من سماع عيسى، ومثل ما يأتي في أول سماع أصبغ، ولا خلاف في هذا أحفظه؛ لأن معنى قوله: خيروا جاريتي بين العتق والبيع، معناه: أعلموها أني قد جعلت لها الخيار في ذلك، فإذا أعلموها بذلك، كان لها أن ترجع من كل واحد منهما إلى الآخر ما لم ينفذ لها ما اختارته أولا، وذلك بخلاف تخيير الرجل أمته بين العتق والبيع؛ لأن تخيير الرجل أمته بين العتق والبيع، فإن اختارت العتق لزمه، وإن اختارت البيع لزمها، ولم يكن لها أن ترجع إلى العتق، وإن لم تختر شيئا حتى انقضى المجلس، جرى ذلك على اختلاف قول مالك في التمليك، ولا إشكال في أنها إذا اختارت البيع فلهم أن يبيعوها ممن شاءوا؛ أنه لا حق لها في أن تباع ممن أحبت، إذ لم يوص لها بذلك، ولا يوضع من ثمنها شيء كما قال.
وأما إذا اختارت البيع، فأرادوا حبسها فقوله: إن ذلك ليس لهم إلا برضاها صحيح؛ لأن لها حقا فيما أوصى لها به من بيعها، ولعله أراد أن يخرجها عن ملكهم لسوء ملكتهم، أو لما علم من أنها تكره البقاء عندهم، فيكون قد أراد القربة بما أوصى به من ذلك، وإنما الاختلاف إذا أرادت هي ألا تباع، هل يلزمهم بيعها، تنفيذا لما أوصى به الموصي أم لا؟ إذ لا قرابة