فقال: إن ذلك: ليقال. ولقد قضى به في المدينة، وقول سحنون مفسر لقول مالك؛ لأنه إذا لم يستبق من ماله ما يكفيه فهو بمنزلة إذا تصدق بماله جميعه، ولم ير ابن القاسم إذا تصدق بجميع ماله على بعض ولده أن يرد ذلك بقضاء. والأصل في هذه المسألة حديث «النعمان بن بشير أن أباه بشيرا أتى به إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم: أكل ولد نحلته مثل هذا؟ فقال: لا فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فارتجعه» . فحمل مالك الأمر بالارتجاع في الحديث على الوجوب، وتأوله على أنه لم يكن له مال غيره، وحمله ابن القاسم على العموم، فيمن خص بعض بنيه ببعض ماله أو جميعه، وتأوله على الندب وهو أظهر؛ لأنه لم يقل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: إن ذلك لا يجوز لك، وإنما أمره بالارتجاع لما كره له من تفضيل بعض ولده على بعض، مخافة أن يكون ذلك سببا إلى أن يعقه من حرمه عطيته، وأما إذا أعطى بعض ولده دون بعض ماله، وإن كان جله، وأبقى لنفسه بعضه فلا اختلاف في المذهب، ولا بين فقهاء الأمصار: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة في أن ذلك جائز، إلا أنه مكروه لما جاء من الأمر بين أن يعدل الرجل بين ولده في العطية، فقد ذكر بعض الرواة في الحديث «إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك» وذكر بعضهم فيه أنه قال له: «أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» . قال: فرجع فرد عطيته، فليس في هذا الحديث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره برد عطيته، وإنما فيه أنه فعل ذلك لما أمره به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بالعدل بين أولاده، وقد يحتمل أن يكون رد عطيته إياه امتثالا لما أمر به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ من ردها على ما جاء في حديث مالك، وفي بعض الآثار، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: