يريد: المخاصمين في مثل هذا وشبهه مختلفون، منهم من يجهل فيصدق إذا ادعى الجهالة، ومنهم من لا يجهل فلا يصدق إذا ادعى الجهالة. إذا كانوا ممن يعرف بالجهالة أن يحلفوا أنهم إنما أنفذوها، وهم يرون أن ذلك عليهم قد لزمهم، وهي يمين تهمة، فيختلف فيها، إلا أن تحقق عليهم الدعوى بأنهم إنما أنفذوها بعد أن علموا أن ذلك لا يلزمهم، فيجب عليهم اليمين قولا واحدا.
ولسحنون في أول نوازله في نظير هذه المسألة أنهم لا يصدقون في دعوى الجهل، وقال: أنت تدفع إليه ماله، وتبيحه له بعدما قد حزته وملكته، ثم قمت الآن تدعي الجهالة، ما أرى لك فيما دفعت إليه حقا، فقال له السائل: أنا أقيم البينة أنه قد قال: إن هذه الصدقة، لا يجوز لك منها إلا الثلث. وقد سألت عن ذلك الفقهاء وأخبروني بذلك. فقال له: أما إن أقمت البينة على هذا، فأرى لك أن ترجع عليه بما أخذ منك، فلم يصدقه سحنون في دعوى الجهالة، ما أرى لك فيما دفعت، وهو إقامة البينة على ما زعم من أنهم غروه به، وقالوا له.
ويأتي على قول أشهب في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب: في الذي يزوج ابنته على أنها بكر، فزعم الزوج أنه وجدها ثيبا لا عذرة لها - أنها تلزمه، ولا شيء له، إن الجاهل في مثل هذا لا يعذر بالجهل، حسبما بيناه هناك.
ومثله قول سحنون في نوازله من كتاب العيوب في الذي يشتري العبد، فيقول للتاجر: هل فيه من عيب؟ فيقول: هو قائم العيبين، فيسأل عن القائم العيبين، فيقال له: هو الذي لا يبصر - إن البيع له لازم، وليس له أن يرده، ففي المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: إنه ليس له أن يرجع فيما أنفذ بحال، وإن علم أنه جهل، إذ لا عذر له في الجهل، وهو ظاهر قول ابن القاسم في آخر كتاب الوصايا من المدونة، في الابن الذي في عيال الرجل يأذن له في مرضه في الوصية بأكثر من ثلث ماله، ثم ينفذ ذلك بعد موته، إنه ليس له أن يرجع في ذلك، ظاهره: وإن كان