قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن أول قوله مرتبط بآخره، فليست بعطية مبتلة بما شرط عليه فيها من أنه إن مات قبله، فهي عليه رد؛ لأن ذلك يقتضي ألا يكون له فيها تفويت ببيع ولا غيره، ما دام المتصدق حيا حتى يموت، فآل أمرها إلى أنه أوصى له بها بعد موته، وعجل له الانتفاع بها طول حياته، فوجب إن مات المتصدق عليه قبله أن ترجع إليه كما شرط، وإن مات المتصدق قبله بتلت له من ثلثه على معنى الوصية، إن كان غير وارث، وقد مضى هذا في رسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب، وتأتي المسألة متكررة في سماع ابن الحسن بعد هذا، وقول أصبغ في هذه الرواية: وإن مات المعطي كانت كالوصية في ثلثه، ولا تكون كالوصية في الرجوع فيها؛ يريد أنه ليس للمعطي أن يرجع في عطيته هذه، وإن كانت إنما تنفذ من ثلثه بما شرط فيها من رجوعها إليه إن مات المعطى قبله، ووجه ذلك أن العطية، وإن لم تكن مبتولة بما شرط فيها، فليست كالوصية بها التي له الرجوع فيها؛ لأنه قد بتلها في حياته على الشرط الذي اقتضى ألا تنفذ بعد موته إلا من ثلثه، فأشبه المدبر الذي يخرج بعد الموت من الثلث، ولا يجوز لسيده الذي دبره الرجوع في تدبيره، وقد اختلف قول مالك في الهبة البتل في المرض: هل للواهب أن يرجع فيها في مرضه فلا تنفذ، إن مات منه أم لا على قولين حسبما مضى القول فيه في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، من كتاب الحبس، وهذا بيّن ألا يكون له فيها رجوع؛ وقد قال بعض أهل النظر ليس بحسن قول أصبغ في معنى الرجوع، إلا في انتفاع المعطى