قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هاتين المسألتين خلاف قوله في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب المديان، والقولان مشهوران في المذهب، منصوص عليهما لابن القاسم في غيرما موضع من كتبه، أحدها: ما في رسم العرية من سماع عيسى من الكتاب المذكور إن السكوت على الشيء إقرار به وإذن فيه، والثاني: قوله في هذه الرواية، وفي سماع من كتاب المدبر، وفي غير ما موضع: أن السكوت على الشيء ليس بإقرار به ولا إذن فيه، وهو ظاهر القولين وأولاهما بالصواب؛ لأن في قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والبكر تستأذن في نفسها، وأذنها صماتها.» دليلا على أن غير البكر في الصمت بخلاف البكر، وقد أجمعوا على ذلك في النكاح، فوجب أن يقاس ما عداه عليه إلا ما يعلم بمستقر العادة أن أحدا لا يسكت عليه إلا راضيا به، فلا يختلف في أن السكوت عليه إقرار به كالذي يرى حمل امرأته فيسكت ولا ينكر، ثم ينكره بعد ذلك، وما أشبه ذلك، وقد مضى هذا المعنى في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح، وفي غير ما موضع من كتابنا هذا. وقوله تحلف بالله أن حقها عليه، معناه أن حقها عليه، باق إلى الآن لم تقبضه ولا وهبته، ولا سقط عنه بوجه من الوجوه؛ لا أن حقها عليه حق، إذ قد شهد لها الشهود بذلك، فلا تحلف عليه، وإنما تحلف على ما لم يثبت الشهود فيه الشهادة، وإنما شهدوا فيه على العلم من أنهم لا يعلمون الحق تأدى ولا سقط، وبالله التوفيق.