سيما ومن مذهبه أن الصلح على الحرام يجوز عنده في وجه الحكم، ولا يفسخ وإن كان لا يجوز عنده لأحد المتصالحين فيما بينه وبين الله إلا ما يجوز في التبايع، وفي هذا تفصيل؛ أما إذا انعقد الصلح على الحرام بين المتصالحين، فلا يجوز ويفسخ باتفاق؛ مثل أن يدعي رجل على رجل دعوى فينكره في بعضها، فيصالحه على جميعها بما يتفقان عليه على أن يسلف أحدهما صاحبه سلفا، فهذا لا يجوز باتفاق؛ لأنه بيع وسلف، وأما إن ادعى رجل على رجل دعوى أنكره في جميعها، فصالحه عنها بما سمياه على أن أسلف أحدهما صاحبه سلفا أو ما أشبه ذلك مما هو في معناه، مثل أن يدعي رجل على رجل إردب قمح فينكره فيه، فيصالحه عنه على شعير إلى أجل؛ ومثل أن يدعي عليه حقا فينكره فيه فيصالحه عنه على سكنى دار أو خدمة عبد، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا لا يجيزه مطرف وابن الماجشون، ويفسخانه ولا يمضيانه، ويجيزه أصبغ ويمضيه في وجه الحكم ولا يفسخه؛ لأن المطلوب يدعي صحته ويريد إجازته ويقول للطالب: إن كنت محقا في دعواك، فلا يحل لك أن تأخذ فيما تدعي ما لا يجوز لك أن تأخذه في البيوع، ووجه المخرج له من ذلك إن كان صالح عن القمح بشعير أن يبيع الشعير ويشتري منه القمح الذي له ويدفع بقيته إن كان فيه فضل إلى صاحبه، وإن كان صالح عن حق بسكنى دار واستخدام عبد لم يسكن الدار ولا استخدم العبد، وأكرى ذلك بالنقد، فاستوفى منه حقه ودفع الفضل إن كان فيه فضل إلى صاحبه؛ ولو رفع ذلك إلى الإمام فكان هو الذي يفعل ذلك، لكان أخلص له- والله أعلم؛ وأما إذا وقع الصلح على وجه ظاهره الفساد ولا يتحقق في جهة واحد من المتصالحين، فهذا لا يفسخ باتفاق، وتورع كل واحد منهما في خاصة نفسه، وذلك نحو مسألتنا هذه في هذه الرواية، وبالله التوفيق.