الغلام على سيده، ثم رفع إليه آخر، فلم يعتقه على سيده، وقال: أخشى أن يكون ذلك ذريعة لتحنيث العبيد لساداتهم؛ وقال ابن الماجشون والمخزومي بقول مالك الأول: أنه لا حنث عليه، وقال معرف بقول مالك الثاني: أنه حانث، وقال أصبغ في أحد قوليه محتجا لقوله: إنه لا حنث عليه، انظر أبدا كل شيء حلف عليه سيده من أمر يأمره به، أو ينهاه عنه، ليبره في ذلك، فخالفه فحنثه ليعتق نفسه، فلا عتق له.
قال: وقد قال بعض الناس: إن الطلاق مثل ذلك سواء إذا حلف على امرأته بمثل ذلك، ولم يقله أصحابنا، ولست ممن يقوله، ويرى أنها طالق إن حنثته، وقوله في الطلاق بمنزلة التمليك، وقال أشهب في الطلاق مثل ذلك، وأنه سواء في العتق والفرقة.
والفرق بين العتق والطلاق في هذه المسائل بين بالمعنى الذي فرق به مالك بينهما، وقد رأيت لابن دحون أنه قال فيها هذه المسائل خارجة عن أصول المدونة وغيرها، والفتوى على خلافها، والحنث يلزم السيد في كل هذا إذا لم يأته العبد، بلغه الرسول أو لم يبلغه؛ لأنه قد جعل أمره في يدي غلامه ويدي رسوله، فقد سبب حنث نفسه، أو ملك أمره لغيره، فهو حانث في جميع ذلك إذا لم يأته الغلام، وليس قوله بصحيح؛ أما إذا لم يبلغه الرسول، فلا إشكال في أنه لا حنث عليه، ولا اختلاف؛ وأما إذا بلغه الرسول، أو كان هو الذي شافهه؛ فالصحيح في النظر ما قاله ابن القاسم في هذه الرواية، ورواه عن مالك من أنه لا حنث عليه؛ لأن الرجل إذا نهى عبده عن الشيء، وقال له: إن فعلت فأنت حر، فبين أنه لم يرد بذلك حريته، وإنما أراد به ضد ذلك من ترك حريته، وسواء ملكته إياه كمثل ما يقول الرجل لابنه في الشيء ينهاه عن فعله ويتوعده عليه. افعل كذا وكذا وأعطيك ألف مثقال، فمن نظر إلى معنى يمينه، قال: لا حنث عليه، وهو قول مالك الأول،