قال محمد بن رشد: قوله: إن الكتابة تفسخ بهذا الشرط إلا أن يشاء السيد وضعه فيجوز خلاف مذهبة في المدونة من أن الشرط باطل والكتابة جائزة في هذا وفي اشتراط جنين المكاتبة في كتابتها أو وطئها طول كتابتها، وكذلك يأتي في هاتين المسألتين على رواية أشهب هذه الكتابة تفسخ إلا أن يرضى السيد بترك الشرط، وقد وقع ذلك من قول أشهب وروايته عن مالك في النوادر منصوصا عليه فيهما، وإنما يخير السيد في ذلك على هذه الرواية ما لم تفت الكتابة باستيفاء جميعها وإن لم يبق منها إلا درهم واحد وأما إذا فات باستيفاء جميعها فيبطل الشرط ويدخل الولد في الكتابة، وقال محمد بن المواز من رأيه: إنما يخير السيد في ذلك ما لم يقبض من الكتابة شيئا وأما إذا قبض منها ولو نجما واحدا فيسقط الشرط وتمضي الكتابة.
وكذلك يأتي على القياس قول مالك في هذه الرواية إذا اشترط على المكاتب أن لا يخرج من خدمته حتى يؤدي أن يكون السيد بالخيار بين أن يترك الشرط ويفسخ الكتابة، وقد قيل إن اشتراط وطء المكاتبة بخلاف هذه الشروط؛ لأنه شرط حرام فيبطل وتجوز الكتابة، وهو مذهب ابن القاسم على ما روى عنه أصبغ في سماعه بعد هذا أن اشتراط السيد على مكاتبه أن لا يخرج من خدمته حتى يؤدي يلزم وتجوز الكتابة بخلاف هذه الشروط، وأصبغ يساوي بين هذه الشروط كلها ويرى الحكم فيها أن تبطل الشروط وتجوز الكتابة.
فالشروط تنقسم على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك قسمان، أحدهما: شرط حرام كاشتراط الوطء على المكاتبة في كتابتها، وشرط فيه غرر كاشتراط كون جنين المكاتبة عبدا وكون ما ولد للمكاتب من أمته عبدا وما أشبه ذلك، فهذا القسم الحكم فيه عنده أن يبطل الشرط وتجوز الكتابة، والقسم الثاني: أن يكون الشرط لا حرام فيه ولا غرر إلا أنه مخالف لما مضى من سنة الكتابة، مثل أن يشترط عليه أن لا يخرج من خدمته وما أشبه ذلك