قال محمد بن رشد: لسحنون في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب فيمن وطئ مكاتبة ابنه فحملت أنه لا يجوز أن تخير بين أن تكون أم ولد للواطئ أو تبقى على كتابتها، إذ ليس لها أن تنقل ولاءها عن الابن الذي قد انعقد له إلى الأب خلاف قول ابن القاسم في هذه الرواية إنها تخير في ذلك، وقول سحنون هو الذي يأتي على قياس مذهب مالك في أنه لا يجوز بيع المكاتب ممن يعتقه من أجل نقل ولائه إلى المشتري، وإنما يجيز ذلك إذا وقع فيمضي العتق استحسانا مخافة أن يرده فتعجز عند البائع.
فقول ابن القاسم في هذه الرواية إنما يأتي على مذهب من يجيز ذلك ابتداء وهو مذهب جماعة من السلف ذكر في المدونة عن يحيى بن سعيد أنه باع مدبرا ممن أعتقه، وأن عمرو بن الحارث دخل في ذلك حين اشتراه. ولو قيل: إن ذلك يجوز في الذي يخشى عليه العجز ولا يجوز في الذي يؤمن عليه العجز في ظاهر حاله، ونظر إلى هذا في مكاتبة الابن إذا وطئها الأب فحملت لكان قولا وسطا، وإنما توقف القيمة على مذهب ابن القاسم إذا اختارت المضي على كتابتها إذا كان الأب الواطئ ممن يخشى عليه العدم.
ولما سأله لم لم تكن الكتابة للأب إذا قومت عليه فيسعى فيها، فإن أدت عتقت وكان ولاؤها للذي عقد لها الكتابة، وإن عجزت كانت أم ولد للذي أدى قيمتها، سكت له عن الجواب في ذلك. والجواب فيه: أنه لا يصح أن تكون له الكتابة على حكم من اشتراها، إذ لم يشترها ولا تعدى عليها فلزمته قيمتها، وإنما تعدى على الرقبة بوطئه إياها فلزمته قيمتها، فلا يصح أن يعدى الحكم في ذلك عن الرقبة إلى الكتابة. وأما اعتراضه عليه بأن القياس كان أن يكون التقويم فيها إذا اختارت المضي على كتابتها يوم عجزت حتى يقضي له بها، فقد سلمه، إلا أنه قال: إن الظالم أحق أن يحمل عليه، فلا وجه للقول فيه. وتفرقته على أصله في وجوب التقويم