وقوله في هذه الرواية: إنه إذا خلف الوديعة عند أهله فتلفت إنه لا ضمان عليه - هو نص قوله في المدونة: إنه لا ضمان عليه في الوديعة إذا أودعها عند امرأته وخادمه، خلاف قول أشهب: إنه ضامن في ذلك، وقد قيل: إن قول أشهب ليس بخلاف لقول ابن القاسم وروايته عن مالك، وأن المعنى في ذلك أنه يضمن إذا كان العرف والعادة أن الناس لا يسترفعون أموالهم عند أهليهم ولا يأتمنونهم على ذلك، ولا يضمن إذا كان العرف والعادة أن الناس يسترفعون أموالهم عند أهليهم ويأمنونهم على ذلك، فكل واحد منهم تكلم على غير الوجه الذي تكلم عليه صاحبه؛ لأن قولهما مختلف، فعلى هذا الاختلاف في ذلك بينهما إذا علم العرف والعادة في البلد، وإنما يختلفان إذا جهل العرف في ذلك البلد، فأشهب يضمنه حتى يقيم البينة أن العرف والعادة في البلد أن الناس يأتمنون أهليهم على أموالهم ويسترفعونهم إياها، وابن القاسم لا يضمن حتى يقيم صاحب الوديعة البينة أن العرف والعادة في البلد أن الناس لا يسترفعون أموالهم عند أهليهم ولا يأتمنونهم عليها، والأظهر أنه اختلاف من القول؛ لأن من حجة صاحب الوديعة أن يقول: أنا إنما رضيت أمانتك ولم نعلم أنك تأمر أهلك كما يفعل الناس.
ويتحصل على هذا في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا ضمان عليه وإن كان الناس لا يأتمنون أهلهم إذا كان هو مؤتمن أهله بماله، وهو ظاهر ما في المدونة، ووجه هذا القول: أن المودع لما أودعه فقد علم أنه يحرزها في منزله كما يحرز ماله.
والقول الثاني: أنه ضامن وإن كان الناس يأتمنون أهلهم، وهو ظاهر قول أشهب، ووجهه: أن صاحب الوديعة يقول: إنما رضيت أمانتك لا أمانة سواك إذ لم أعلم أنك تأتمن أهلك كما يفعل الناس.
والقول الثالث: الفرق بين أن يكون العرف والعادة في البلد أن يأتمن الناس أهليهم أو لا يأتمنون، ولو كان الرجل لا يأمن أهله على ماله ولا يسترفعها إياه لضمن الوديعة، إن دفعها إليها فتلفت، وإن كان الفرق في البلد أن الناس يسترفعون أهليهم أموالهم ويأتمنونهم عليها قولا واحدا.