المسجد أم شهود الجنائز؟ فقال: بل القعود في المسجد أعجب إلي، إلا أن يكون حق من جوار، أو قرابة، أو أحد ترجى بركة شهوده - يريد به في فضله فيحضره. قال ابن القاسم: وذلك في جميع المساجد.
قال محمد بن رشد: ذهب سعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم، إلى أن صلاة النوافل والجلوس في المساجد، أفضل من شهود الجنائز - جملة من غير تفصيل، فمات علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، فانقلع الناس لجنازته من المسجد، إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم يقم من مجلسه، فقيل له ألا تشهد هذا الرجل الصالح من البيت الصالح؟ قال: لأن أصلي ركعتين، أحب إلي من أن أشهد هذا الرجل الصالح، من البيت الصالح؛ وخرج سليمان بن يسار فصلى عليه واتبعه، وكان يقول شهود الجنائز أفضل من صلاة التطوع جملة أيضا من غير تفصيل، وتفصيل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو عين الفقه، إذ إنما يرغب في الصلاة على من يعرف بالخير، وترجى بركة شهوده؛ فمن كان بهذه الصفة، أو كان له حق من جوار، أو قرابة، فشهوده أفضل من صلاة التطوع - كما قال مالك، لما تعين من حق الجوار، والقرابة؛ ولما جاء من الفضل في شهود الجنازة، فقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«أفضل ما يعمل امرؤ في يومه شهود الجنازة» . ولأن مراتب الصلوات في الفضل على قدر مراتبها في الوجوب، فأفضل الصلوات صلاة الفريضة، ثم صلاة الوتر، إذ قد قيل إنه واجب؛ ثم الصلاة على الجنائز لأنها فرض على الكفاية، ثم ما كان من الصلاة سنة، ثم ما كان منها فضيلة، ثم ما كان منها نافلة.