للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: لا؛ لأن المواشي في مثل هذا ليست كالدنانير والدراهم، المواشي تؤكل فلا يقدر على حبسها لعلفها، فإذا تصدق بثمنها ثم جاء طالبها لم أر عليه شيئا.

قال: وكان عمر بن الخطاب يقول لمن أخذها: خلها حيث وجدتها. وأول من أمر ببيعها عثمان بن عفان، قال: تباع، وقد عرف صفتها ثم توقف أثمانها، فإن جاء طالبها أعطى ثمنها، فقال الذين يعذرون عثمان فيما أمر به من بيعها: إنه أمر ببيعها؛ لأن الناس سرقوها وذهبوا بها، فلذلك أمر عثمان ببيعها، قيل له: أفرأيت إن لم يأت من يعرفها؟ فقال: يتصدق بها.

قال محمد بن رشد: حكم نتاج الضالة حكم ألبانها؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل ذات رحم فولدها بمنزلتها» ، فلذلك قال: إنه ليس له أن يأكل من نتاجها على وجه الاقتطاع، وأما أكله منها على وجه السلف بعد بلوغ ما عليه من التعريف بها، فعلى ما ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا من الاختلاف في أمهاتها، إذ لا فرق بينها وبين نتاجها.

وأما ألبانها فخفف أن يأكل منها، يريد: بقدر قيامه عليها والله أعلم؛ لأنه ينزل في ذلك منزلة الوصي في مال يتيمه، وقد قال ابن عباس في ذلك: إن كنت تبغي ضالة إبله وتتاجر بها وتلط حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب. وأما الزائد على ذلك فإن كان له قدر يشح به صاحبه فحكمه حكم اللقطة نفسها، وإن كان يسيرا لا قدر له ولا يعلم أن صاحبها لا يشح به فله أن يأكله، وقد مضى ذلك والقول فيه في رسم طلق من سماع ابن القاسم.

وقوله: إنه لا شيء عليه في الضالة لصاحبها إن تصدق بها - خلاف قوله في الرسم الذي قبل هذا، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى فلا وجه لإعادته،

<<  <  ج: ص:  >  >>