فيهم المتهم، فإن نكلوا أو لم يوجد غير المتهم لم يبرأ حتى يحلف خمسين يمينا وحده، وهو قول ابن القاسم في المجموعة.
والثالث - أن المدعى عليه يحلف وحده ولا يكون له أن يستعين بأحد من ولاته في الأيمان كما يكون ذلك لولاة المقتول، وهذا قول مطرف في الواضحة وظاهر ما في رسم أول عبد من سماع يحيى وما في المدونة من قول ابن القاسم، وروايته عن مالك، وهذا القول أظهر الأقوال من جهة القياس، لأن المدعي عليه حقيقة هو الذي يدعى عليه القتل ويطلب منه القصاص ويتعلق به حكم بالنكول، فوجب أن يكون هو الذي يحلف وحده لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» .
وللقولين الآخرين حظ وافر من النظر، وهو أنه لما كانت الدماء تقع فيها الحمية والعصبة صار عصبة المقتول هم الطالبون بدم المقتول بحق التعصيب لا بحق الوراثة، وصار عصبة القاتل هم المطلوبون معه لتعصبهم له ودفاعهم عنه، ووجب أن ترجع الأيمان إذا نكل عنها عصبة المقتول على عصبة القاتل إذ هم المطلوبون بما فعل وليهم، بدليل «قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحارثيين في قتيلهم الذي قتل بخيبر أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ فلما قالوا له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كيف نحلف ولم نشهد ولم نحضر؟ قال فتبريكم يهود بخمسين يمينا» فعمهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بالأيمان لما كانوا هم المدعى عليهم بأن صاحبهم قتل، فرأى ابن القاسم في الرواية الواحدة من حق القاتل أن يستعين في الأيمان بعصبة الذابين عنه المتعصين له المناصبين دونه كما كان من حق القريب من عصبة المقتول أن يستعين في الأيمان بالبعيد منهم.
ورأى في الرواية الأخرى من حق عصبة القاتل إذا ردت عليه الأيمان أن يتحملوها عنه ويحلفوها دونه إن دعوا إلى ذلك لجدهم في الدفاع عنه لما يزعمون من صحة يعنيهم ببراءته من قتله، فإن أبوا أن يحملون عنه جميعا وأرادوا أن يعينوه فيها بأن يحملوا عنه بعضا لم يمكنهم من ذلك لما تبين بمشاحتهم في ذلك من ضعف يقينهم في أنه بريء مما ادعى عليه وبالله التوفيق.