قلت: فإن لم يثبت الجرحان على الرجلين إلا أن الميت ادعى أن فلانا جرحه عمدا وأن فلانا جرحه خطأ بجرحين كانا به؟ فقال: أمره فيما يدعي عند موته مثل الذي تثبته البينة من أمر جرحيه - فيما فسرت لك سوى إن أقسموا على الجارح عمدا قتلوه وأخذوا عقل الجرح خطأ، وإن أقسموا على الجارح خطأ أخذوا الدية من عاقلته واقتصوا من الجارح عمدا بمثل جرحه.
قال محمد بن رشد: أما إذا قامت البينة على الجرحين فقوله إن الأولياء مخيرون بين أن يقسموا على الجارح عمدا فيقتلوه ويأخذوا من الجارح خطأ عقل الجرح الذي جنى، وبين أن يقسموا على الجارح خطأ فيأخذوا الدية من عاقلته ويقتصوا من الجرح صحيح على أصل ابن القاسم وروايته عن مالك في أن من قطع يد رجل عمدا فنزا فيه فمات أن الأولياء مخيرون بين أن يقسموا فيقتلوه، أو لا يقسموا فيستقيدوا منه بقطع يده، ويأتي فيها على قياس قول أشهب في أنه ليس للولاة أن يقتصوا منه بقطع يده إلا باختياره لأن الجناية قد عادت نفسا بما قاله في سماع أبي زيد أنهم إن أقسموا على الذي ضربه عمدا قتل به ولا شيء على الآخر، وإن أقسموا على الذي ضربه خطأ كانت عليه الدية كاملة يريد على العاقلة، وبرئ الآخر، وأما إذا لم تكن بينة على الجرحين وإنما كان ذلك بدعوى من الميت فقوله: إن ذلك بمنزلة البينة على الجرحين مخالف للأصول؛ لأن الجراح لا تستحق بالقسامة منها في العمد، ولا الدية في الخطأ، وهو نص قوله في المدونة إن الجراح ليس فيها قسامة، والصحيح فيه ألا سبيل إلى القصاص من الجرح ولا إلى أخذ الدية فيه، وإنما لهم الخيار في أن يقسموا على من أحبوا فإن أقسموا على المتعمد قتلوه ولم يكن على الآخر شيء ولا على عاقلته وإن أقسموا على المخطئ أخذوا الدية من عاقلته ولم يكن على الآخر شيء لأنه لا تكون قسامة في جرح فيستحقون بها أرشه أو القود منه بجرح صاحبهم، قاله محمد بن المواز،