من هذه الجراح ثم ترامت إلى نحو ما وصفت لك مما يفرغ بعضه في بعض فاحكم له بالجرح الذي ترامى إليه كأن الجارح جرحه إياه، ولا يلتفت إلى الأول، وإذا ترامى الجرح إلى غير ما وصفت له مما لا يفرغ بعضه في بعض مثل أن يجرحه موضحة فيذهب منها عينه أو تشل منها يده فأحكم له بالجرح الأول موضحة كان أو غيره وبعقل اليد والعين جميعا كأن الجارح جرحه إياهما.
قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة في السؤال فأراد أن يقتص له من الموضحة ويأخذ فضل المنقلة معناه فأراد أن يقتص له من الموضحة ويأخذ فضل المنقلة إن برئ المقتص منه من الموضحة دون أن تصير منقلة، وقول مالك: أكتب إليه إن أراد أن يأخذ عقل المنقلة فذلك له، وذلك أنها إنما صارت منقلة؛ لأن الضربة هشمت العظم يدل دلالة ظاهرة أنه خيره بين أن يأخذ عقل المنقلة وبين أن يقتص من الموضحة ويأخذ عقل فضل ما بينهما وبين المنقلة إن لم تصر موضحة المقتص منه منقلة فهو خلاف قوله الثاني الذي حكى ابن القاسم عنه أنه رجع إليه من أنه يأخذ عقل المنقلة، ولا شيء له في القصاص، وهذا القول أقيس على تعليله بأن الضربة هشمت العظم والبط لا تأتي منه منقلة والتخيير بين أن يأخذ عقل المنقلة وبين القصاص استحسان.
وأما قول مالك الأول وما حكى سحنون أنه مذهب ابن القاسم من أن يقتص من الموضحة ويأخذ عقل فضل ما بين الموضحة والمنقلة إن برئ المقتص منه دون أن يترامى أمره إلى منقلة فهو القياس على ما أجمعوا عليه في الذي يترامى جرحه إلى شيء آخر مثل أن يجرحه موضحة فتذهب منها عينه، وكذلك لو جرحه ملطاة فصارت موضحة لكان بالخيار بين أن يقتص من الملطاة وبين أن يأخذ عقل الموضحة على أحد قولي مالك، وعلى قوله الآخر ليس له إلا عقل الموضحة لا القصاص منها، إذ لا يصح القصاص مما آل إليه