المعضوض في ثنيتي الذي عضه عقل لأنه كان أظلم وأسوأ.
قال محمد بن رشد: رواية يحيى عن الليث بن سعد لم تثبت في جميع الروايات وهي مطابقة لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية عمران بن الحصين «أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال: يعض أحدكم أخاه كما يعض العجل لا دية لك» فيحتمل أن يكون الحديث لم يبلغ مالكا ويحتمل أن يكون بلغه فرأى القياس المعارض له مقدما عليه على ما حكى ابن القصار من أن مذهب مالك أنه إذا اجتمع خبر الواحد مع القياس ولم يمكن استعمالهما جميعا قدم القياس، والحجة فيه أن خبر الواحد لما جاز عليه النسخ والغلط والسهو والكذب والتخصيص ولم يجز على القياس من الفساد إلا وجه واحد وهو هل الأصل معلول بهذه العلة أم لا فصار أقوى من خبر الواحد فوجب أن يقدم عليه، وجه القياس في ذلك أن هذه جناية من عاقل حديث بفعله ما يجوز له فعله فوجب أن يكون خطأ ولا يكون هدرا، أصله إذا رمى طائرا فأصاب إنسانا، وأولى ما يقال في هذا عندي أنه حديث لا حجة فيه على مالك، إذ ليس هو لأمره من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بإسقاط الدية في مثل هذا الفعل فيجب امتثال أمره على من بلغه إياه، وإنما هو حكاية قضية منه في عين يحتمل أن يكون بمعنى، فلا يصح أن يعدى الحكم إلى غير تلك العين إلا أن يكون المعنى موجودا فيها، ويحتمل أن يكون النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما حرم العاض دية ثنيته وإن كانت واجبة له على المعضوض عقوبة له لعضه إياه حين كانت العقوبات على الجنايات في الأموال ثم نسخ ذلك فعادت العقوبات على الجنايات في الأجسام فيعاقب العاض بالأدب على ما يؤدي إليه اجتهاد للحاكم ويكون له دية ثنيته على مذهب مالك وبالله التوفيق.