للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورثته أن يكفنوه مرة أخرى من رأس المال؟ أو من الثلث إن كان الميت أوصى بثلث ماله؟ فقال: ليس على أهله أن يكفنوه - مرة أخرى، إلا أن يتطوعوا، ويدفن من غير كفن، ولا يكفن من ثلث ولا غيره؛ لأنه قد كُفن وصلي عليه على سنة الإسلام.

قال محمد بن رشد: ذهب بعض أهل النظر إلى أن قول سحنون مبين لقول ابن القاسم؛ لأنه تكلم على أن المال قد قسم، وتكلم ابن القاسم على أنه لم يقسم، وذلك بعيد من جهة اللفظ والمعنى، أما بُعْده من جهة اللفظ، فهو أن القسمة ذُكرت في السؤال - ولم يعلل بها في الجواب، وإنما علل بأنه قد كفن وصلي عليه على سنة الإسلام، وأما بعده من جهة المعنى، فهو أن الحقوق الطارئة على الشركة لا يُسقطها قسمة المال، فهو اختلاف من القول.

فعلى مذهب ابن القاسم، على الورثة أن يكفنوه من بقية المال - قسم أو لم يقسم، وذلك بيِّن من قوله: إنه بمنزلة الكفن الأول، يبدأ على الدين؛ وعلى مذهب سحنون لا يلزم الورثة أن يكفنوه - ثانية مما بقي من التركة، قسمت أو لم تقسم.

ووجه القول الأول: أن الكفن في ضمان الورثة - وإن دفن الميت به؛ إذ ليس ممن يقبض لنفسه، ولا يجوز لها، وعلى الورثة أن يشتروه بماله من الكفن قبل الدفن وبعده - إذا عري؛ إذ ليست حرمته بعد الدفن بأدنى من حرمته قبله، فهو بمنزلة ما لو استحق من عليه بعد أن دفن؛ أو بمنزلة ما لو سرق من عليه، أو اختلس قبل الدفن.

ووجه القول الثاني: أنه بالدفن يخرج من ضمان الورثة، ويحصل الميت في حكم القابض له بإدخاله به في قبره - وإن كان ممن لا يصح منه القبض؛ لأنه بيته؛ ألا ترى من سرق منه يقطع، وأن الوصي إذا جهّز اليتيمة من مالها وأورده بيت بنائها، يبرأ من الضمان، وتحصل اليتيمة قابضة لذلك، وإن كانت ممن لا يصح منها القبض؛ إذ ذلك أكثر المقدور عليه - وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>