هذا عندي من القضاء، ولكنه على غلظة من مروان في الحدود، ولقد كان مروان يؤتى بالرجل قد قبل المرأة فينزع ثنيته، فلم ير مالك مع التهمة البينة أن يؤخذ بها ولكن يطال سجن المتهم رجاء أن توجد عليه بينة.
قال محمد بن رشد: تضمينه هذه الحكاية عن مروان بن الحكم من أنه قضى للمرأة بدعواها على الكري الذي ادعت أنه أرادها عن نفسها وكشف عنها ثيابها بألف درهم بما ادعت عليه من كشفه إياها مع الشبهة التي ألحقت التهمة به وحققت المظنة عليه لا يأخذ به مالك ولا يرى القضاء به، إذ لا يرى العقوبات في الأموال؛ لأن العقوبات في الأموال أمر قد كان في أول الإسلام، من ذلك «ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في مانع الزكاة: إنا آخذوها منه وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا»«وما روي عنه في حريسة الجبل: أن فيها غرامة مثيلها وجلدات نكال»«وما روي عنه من أن سلب من أخذ وهو يصيد في الحرم لمن أخذه» كان ذلك كله في أول الإسلام وحكم به عمر بن الخطاب ثم انعقد الإجماع بأن ذلك لا يجب، وعادت العقوبات على الجرائم في الأبدان، وقد أنكر ذلك على مروان بن عبد الحكم، فقال على سبيل إنكار ذلك عليه: إنه قد كان يؤتى بالرجل يقبل المرأة فينتزع ثنيته، وهذه نهاية في الإنكار، والعقوبات على الجرائم عند مالك على قدر اجتهاد الوالي وعظم جرح الجاني وأن يجاوز الحد، وقد أمر مالك صاحب الشرط في الذي وجد مع صبي في سطح وقد جرده وضمه إلى صدره وغلق على نفسه معه فلم يشكوا في المكروه بعينه أن يضربه ضربا مبرحا ويسجنه سجنا طويلا حتى تظهر توبته وتتبين، فسجنه صاحب الشرط أياما قبل أن يضربه فكان أبوه يختلف إلى مالك ويتردد عليه ويقول اتق الله فما خلقت النار باطلا، فيقول مالك: أجل وإن الذي ألفي عليه ابنك لمن الباطل، ثم ضربه صاحب الشرط أربعمائة سوط فانتفخ فمات، فما أكبر ذلك مالك ولا بالى به، فقيل له يا أبا عبد الله إن مثل هذا من الأدب والعقوبة لكثير، فقال هذا بما أجرم، وما رأيت أنه أمسه من