قال محمد بن رشد: قوله في الذي قذف المرأة بالزنا وهو يظنها أمة وقد كانت أعتقت وهو لا يعلم بعتقها: إن عليه الحد لها، ولا يعذر بجهله بعتقها صحيح لا اختلاف فيه أعلمه؛ لأن الحقوق الواجبة لها بالعتق من الحد والقصاص والميراث وسائر أحكام الحرية لا تسقط بالجهل بها، لو قتلها أحد لقتل بها وإن لم يعلم بحريتها، وكذلك لو شهد بشهادة فردها القاضي إذ لم يعلم بحريته ثم علم بها لأجازها، وإنما اختلف إذا شهد بها عند غيره بعد أن ردها الأول بجهله بحريته، فقيل إنها تقبل منه، وقيل إنها لا تقبل منه؛ لأنها قد ردت، والأصح أن تقبل منه لأن الغيب قد كشف أن ردها أولا لم يكن صحيحا.
وظاهر رواية أشهب هذه أن عفو المقذوف عن القاذف لا يجوز وإن كان عفوه قبل أن يبلغ الإمام، خلاف رواية ابن القاسم عنه، فهي تدل على أن القذف يتعلق به حق الله تعالى، وهو مذهب أبي حنيفة، ويأتي على قياسها أن الإمام يقيم حد القذف على القاذف بقيام من قام به من الناس، وهو ظاهر قوله في المدونة في الذي يقذف الرجل عند الإمام وهو غائب أنه يقيم عليه الحد إذا كان معه شهود؛ لأن ظاهر قوله أنه يقيم الحد عليه وإن كان المقذوف غائبا، مثل ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن القاسم وغيره، خلاف ما تأول محمد بن المواز من أن معنى ذلك إذا جاء المقذوف وقام بحقه، وقد قيل: إنه لا يتعلق بالقذف حق لله تعالى فللمقذوف على هذا القول أن يعفو عن القاذف، وإن انتهى الأمر إلى الإمام أراد سترا أو لم يرده، وهو أحد قولي مالك في المدونة، وقد قيل: إنه لا يتعلق به حق لله تعالى حتى ينتهي إلى الإمام إلا أن يريد سترا، وهو أحد قولي مالك في المدونة ومذهب الشافعي، فهي ثلاثة أقوال في المسألة، ولا اختلاف في أن القذف حق للمقذوف، وإنما اختلف هل يتعلق فيه حق لله تعالى أم لا؟ على الثلاثة الأقوال التي ذكرناها، وقد قال عبد الوهاب في المعونة: اختلف عن مالك في حد القذف هل هو من حقوق الله تعالى، أو من حقوق الآدميين، وفائدة ذلك أنه إن كان من حقوق الله فلا