أمضي عليه الحد إذا كان الإمام هو الذي يأمر بالاستنكاه حين استرابه ووكله به، فإن كان إنما هو شاهد يؤدي علمه بالاستنكاه منه من قبل نفسه فلا يجوز إلا اثنان؛ لأنهما شهادة مؤداة كالشهادة على الشرب بعينه ( ... ) الاستنكاه والشهادة به، وجوازه أن أبا هريرة قد شهد أنه قاءها ولم يشهد أنه شربها، ثم قال له عمر تجويزا لذلك: فلا وربك ما قاءها حتى شربها، قال أصبغ: سألت ابن القاسم فقلت له: أرأيت الموكل بالمسلحة يمر بالرجل أو يمر به الرجل يتهمه بالشراب أيأمر به فيستنكه؟ قال: إن رأى تخليطا واختلاطا فنعم، قال أصبغ: شبه السكران الذي يخلط في مشيه وكلامه وتكفيه بنفسه وميلانه وعبثه وشتمه، فإن كان كذلك أمر به ولا يسعه تركه؛ لأنه سلطانه، كحد انتهى إلى السلطان فلا يتركه، وإن كان على غير ذلك من الصفة ولم يكن كنحو ذلك تركه، ولم يتحسس عليه، وإن رأى مخرجه مخرج سوء تهمة نظر في مخرجه إن خرج من مخرج سوء فعاقبه على نحوه ولم يبلغ كشفه في الشرب ولا تفتيشه إذا لم يكن كنحو ما وصفنا وكان صاحيا متشكلا.
قال محمد بن رشد: العمري القاضي الذي حكى عنه ما حكاه من الحكم بالاستنكاه هو عبد الرحمن بن عبد الله بن المجير بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، ولاه هارون الرشيد قضاء مصر سنة خمس وثمانين ومائة، ثم شكي به إليه فقال: انظروا كم ولي القضاء من ولد عمر؟ فلم يوجد أحد، فقال: والله لا عزلته، فبقي قاضيا إلى أن عزله الأمين سنة أربع وتسعين، والمسألة كلها صحيحة بينة من قول ابن القاسم وأصبغ لا اختلاف فيها ولا إشكال في شيء من معانيها، وبالله التوفيق.