في هذه المسألة - ما ذكرناه من أن الصلاة لا تجوز على غائب لا ما سوى ذلك، واستخفوا إذا غاب منه اليسير، الثلث فدون، إلا ما كان من قول ابن الماجشون: إنه إذا وجد الرأس يصلى عليه؛ لأن فيه أكثر الديات، فمن علل مذهب مالك في أنه لا يصلى إلا على جل الجسد بإبقاء الصلاة عليه مرتين، أو بقائه دون صلاة فقد أخطأ؛ وعبد العزيز بن أبي سلمة يرى أن يصلى على ما وجد منه من يد أو رجل، وإن لم يوجد منه شيء وعلم أنه قد مات غريقا، أو أكلته السباع، صلي عليه أيضا عنده، وحجته صلاة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - على النجاشي بالمدينة - وهو ميت بأرض الحبشة، وإلى هذا ذهب ابن حبيب.
واحتج من نصر قول مالك بما روي عن عمران بن حصين، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه". قال: ونحن نرى أن الجنازة قد أتت، قال: فصففنا فصلينا عليه، وإنما مات بالحبشة فصلى عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دخل المدينة» . قال: فإذا كان الله قد حمله إلى المدينة بلطيف قدرته - حتى وضعه بين يديه بالمصلى فصلى عليه، بطل تعلق عبد العزيز بن أبي سلمة بالحديث، وفي خروج النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلى المصلى للصلاة عليه، دليل على أنه كان بها؛ إذ لو كان بمكانه بأرض الحبشة، لم يكن لخروجه إلى المصلى للصلاة عليه معنى.
واحتج أيضا بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل عليه بعد دفنه - مع ما في الصلاة عليه من عظيم الأجر، والحجة الأولى أظهر، إذ قد قيل: إنما لم يصل على النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بعد ذلك، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يتخذ قبره مسجدا، وقد نهى عن ذلك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.