سماع أشهب من كتاب الصلاة، ومن أهل الأهواء ما هو اعتقادهم كفر فلا يختلف في تكفيرهم، ومنه ما هو خفيف لا يؤدي بمعتقديه إلى الكفر إلا بالتركيب، وهو أن يلزم على قوله ما هو أغلظ منه وعلى ذلك الأغلظ ما هو أغلظ حتى يؤول به ذلك الأغلظ إلى الكفر فهذا لا يكفر به بإجماع، والكفر بالله الذي هو التكذيب برسول الله أو بشيء مما جاء به عن الله مضاد للإيمان الذي هو المعرفة بالله والتصديق به وبكل ما جاء به رسوله من عنده، فلا يجتمع الكفر والإيمان في محل واحد لتضادهما، وهما من أفعال القلوب، فلا يعلم أحد كفر واحد ولا إيمانه قطعا لاحتمال أن يظن خلاف ما يظهر كالمنافقين والزنادقة وشبههم إلا بالنص من صاحب الشرع على كفر أحد أو إيمانه أو بأن يظهر منه عند المناظرة والمجادلة والمباحثة لمن ناظره أو باحثه ما يقع له به العلم الضروري لأنه معتقد لما يجادل عليه من كفر أو ما يدل عليه من مذهب يعتقده إلا أن أحكامه تجري على الظاهر من حاله، فمن ظهر منه ما يدل على الكفر حكم له بأحكام الكفر، ومن ظهر منه ما يدل على الإيمان حكم له بأحكام الإيمان.
ويدل على الكفر وجهان باتفاق، أحدهما أن يقر على نفسه بالكفر، والثاني أن يفعل فعلا أو يقول قولا قد ورد السمع والتوقيف بأنه لا يقع إلا من كافر فيصير ذلك علما على الكفر، وإن لم يكن كفرا في نفسه، وذلك نحو استحلال شرب الخمر وغصب الأموال واستباحة القتل والزنا والسرقة وعبادة شيء من دون الله والاستخفاف بالرسل وجحد سورة من كتاب الله وأمثال ذلك مما ورد التوقيف فيه أنه لا يكون إلا من كافر، ووجه ثالث على اختلاف وهو أن يقر - على نفسه باعتقاد - مذهبا يسد عليه طريق المعرفة بالله كنحو ما يعتقده القدرية والمعتزلة والخوارج والروافض، فقيل إنهم يكفرون بذلك، وهو الذي يدل عليه قول مالك في هذه الرواية حسبما ذكرناه، وقوله في آخر كتاب الجهاد في المدونة: إنهم يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا لأن هذا هو حكم المرتد، وقيل إنهم لا يكفرون بذلك وهو الأظهر لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ