الرجل: نعم، قال: يقول الله تعالى في كتابه: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[السجدة: ١٣] حقت كلمته ليملأن جهنم منهم، فلا بد من أن يكون ما قال.
قال محمد بن رشد: هذه الآية بينة في الرد على أهل القدر كما قال، وذلك أنهم يقولون إن الله تعالى أمر عباده بالطاعة وأرادها منهم ونهاهم عن المعصية ولم يردها منهم، فلم يكن ما أراد من الطاعة وكان ما لم يرد من المعصية؛ لأن العباد عندهم خالقون لأفعالهم بمشيئتهم وإرادتهم، دون إرادة ربهم وخالقهم، وذلك ضلال بين وكفر صريح عند أكثر العلماء؛ لأنهم يلحقون العجز بالله تعالى في أن يكون ما لا يريد، ويريد ما لا يكون، والجهل به أيضا؛ لأنهم إذا كانوا هم الخالقون لأفعالهم بمشيئتهم فلا يعلم وقوعها منهم على قولهم حتى يفعلوها، وهذا كفر صريح، وتكذيب لِقَوْلِهِ تَعَالَى في غير ما آية من كتابه، وذلك قَوْله تَعَالَى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}[يونس: ٩٩] وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[الأنعام: ١٢٥] وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الإنسان: ٣٠] وقال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد: ١٦] وقال: {خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: ٩٦] وقال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}[الملك: ١٤] والآيات في