المسجد أترى عليه شيئا أو أحب إليك أن يأتي السلطان؟ قال: بل أحب إلي أن يأتي السلطان.
قال محمد بن رشد: قوله أحب إلي أن يأتي السلطان يدل على أنه ليس بواجب عليه، وأنه إن ترك ما هو عليه ونزع منه وظهر بجيرانه وجاء إلى المسجد فهي توبة شرعية من إقامة حد الحرابة عليه، وإن لم يأت الإمام، وقد اختلف في صفة التوبة التي تقبل منه وتسقط عنه حد الحرابة على ثلاثة أقوال، أحدها: أنها تصح بأحد الوجهين، إما بأن يترك ما هو عليه ويظهر لجيرانه ويأتي إلى المسجد معهم، وإما بأن يلقي سلاحه ويأتي الإمام، وهو مذهب ابن القاسم، والقول الثاني: أن توبته لا تقبل منه إلا بالإتيان إلى السلطان، فإن لم يأت السلطان وترك ما هو عليه وظهر لجيرانه وشاهد الصلوات معهم لم ينتفع بذلك، وأقام الإمام عليه الحد، وهو قول ابن الماجشون، والقول الثالث: عكس هذا القول، أن توبته لا تقبل منه إلا بترك ما هو عليه، ويظهر لجيرانه ويشاهد الصلوات معهم، فإن لم يفعل ذلك وألقى سلاحه وأتى الإمام أقام عليه الحد، فإن نزع وترك ما هو عليه وظهر لجيرانه وجاء المسجد ثم أتى الإمام بعد ذلك قبل أن يظهر عليه برئ من الحد بإجماع، وقد اختلف فيما تسقط عنه التوبة من الأحكام على أربعة أقوال، أحدها: أنه لا يسقط عنه إلا حد الحرابة خاصة، ويؤخذ بما سوى ذلك من حقوق الله وحقوق الناس من الدماء والأموال، فيضمن الأموال ويكون لأولياء المقتول القصاص منه إن أحبوا، والثاني: أنها تسقط عنه حقوق الحرابة وحقوق الله تعالى من الزنا والسرقة وشرب الخمر، ولا يسقط عنه ما سوى ذلك من الدماء والأموال، والثالث: أنها تسقط عنه حد الحرابة وحقوق الله والأموال، إلا أن يوجد من ذلك شيء بعينه فيرد إلى أهله، ولا تسقط عنه الدماء، فيكون لأولياء المقتول القصاص، والرابع: أنها تسقط عنه كل شيء من الحدود والدماء والأموال، إلا أن يوجد منها شيء بعينه فيرد إلى أهله، وبالله التوفيق.