الاختلاف يأتي ما قاله سحنون في كتاب ابنه: لو أن رجلا مسلما جنى على مسلم، ثم ارتد المجني عليه عن الإسلام، ثم رجع إلى الإسلام، فإن فيه تنازعا بين أصحابنا، ففي قول أشهب: إن لورثته أن يقسموا ويقتلوا الجاني، وفي قول غيره: إن أحبوا أن يقتصوا من الجرح فذلك لهم، وإن أحبوا أن يقسموا ويقتلوا فليس ذلك لهم؛ لأن القصاص قد امتنع بارتداده، وإن أحبوا أن يقسموا ويأخذوا الدية فذلك لهم، فما حكى سحنون عن أشهب يأتي على قياس قول ابن القاسم في هذه الرواية، وما حكى عن غيره ينحو إلى ما في المدونة؛ لأنه جعل ارتداد المجني عليه شبهة يسقط بها القصاص بالقسامة عن الجاني كما يسقط الحد في القذف عن القاذف، وكان القياس على ما في المدونة، ألا يكون لهم أرش الجرح كما لو جرحه وهو مرتد.
وأما قوله: وإن كان حج قبل ارتداده كان عليه أن يحج حج الإسلام ثانية، فهو مثل قوله في النكاح الثالث من المدونة؛ لأن الأعمال تحبط بنفس الكفر، وإن راجع الإسلام على ظاهر قول الله عز وجل:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر: ٦٥] .
وقد قيل: إن الأعمال لا تحبط بالكفر إلا مع شرط الموافاة؛ بدليل قوله عز وجل:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ}[البقرة: ٢١٧] الآية، وهو قول ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية، من كتاب الوضوء؛ لأنه استحب لمن توضأ ثم ارتد، فراجع الإسلام أن يعيد الوضوء ولم يوجب ذلك، وقد زدنا هذه المسألة هناك بيانا، ولهذا الاختلاف أشار في المدونة بقوله: وهذا أحسن ما سمعت [فأسمعت] ، وقال فيها على قياس قوله: إن الحج لا يجزيه أنه لا يلزمه قضاء ما ضيع من الفرائض، وبدليل قوله عز وجل:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨] وأوجب أصبغ عليه قضاء ما صنع من