يحيا الجسم بكونه فيه، ويموت بإخراجه منه - وهو الصواب - أن النفس والروح اسمان لشيء واحد؛ وهو الذي يحيا به الجسم، وإن كان كل واحد منهما قد يقع بانفراده على مسميات لا يقع عليها الآخر، فيقع النفس على ذات الشيء وحقيقته؛ وعلى الدم، وعلى الحياة الموجودة بالإنسان، ويقع الروح على الملك، وعلى القرآن، وعلى النفس المتردد في الإنسان، وعلى الحياة الموجودة فيه وفي غيره من الحيوان، فإذا عبر بالنفس والروح عن شيء واحد، فالمراد به ما يحيا به الجسم، ويتوفاه ملك الموت، فيدفعه إلى ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب؛ وهو النسمة التي قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها:«إنما نسمة المؤمن طائر، يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه» .
فالنفس، والروح، والنسمة، شيء واحد؛ وقد يسمى الإنسان نسمة اتساعا ومجازا. والدليل على أن النفس والروح شيء واحد: أن الله - تبارك وتعالى - قال:{يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}[الزمر: ٤٢] . وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إذ نام عن الصلاة في الوادي، حتى طلعت الشمس:«إن الله قبض أرواحنا، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا» . فسمى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - روحا ما سماه الله نفسا، وهذا بين، وإنما قلنا إنه هو الذي يحيا به الجسم، ولم نقل إنه الحياة الموجودة به؛ لأن الحياة الموجودة به معنى من المعاني، والمعاني لا تقوم بأنفسها، ولا يصح عليها ما وصف الله به الأنفس والأرواح في كتابه، وعلى لسان نبيه من القبض والإخراج والرجوع والطمأنينة والصعود والتنعيم والتعذيب. فمعنى قولنا: الذي يحيا به الجسم، أي: ما أجرى الله العادة بأن الجسم يحييه بكونه فيه،