الخطاب في ركوب البحر فأبى أن يأذن له، فلما ولي عثمان بن عفان، كتب إليه يستأذنه، فأبى ثم رد عليه، فكتب إليه عثمان: إن كنت تركبه بأهلك وولدك، فقد أذنت لك، فركبه معاوية ومعه امرأته بنت قرطة، قال مالك: سأل عمر بن الخطاب عمرو بن العاص عن البحر فقال: خلق ضعيف، دود على عود، إن ضاعوا هلكوا، وإن بقوا فرقوا، قال عمر: لا أحمل فيه أحدا، فلما كان بعد عمر، حمل فيه، فلم يزل يركب حتى كان عمر بن عبد العزيز، فاتبع فيه رأي عمر بن الخطاب.
قال محمد بن رشد: البحر على ما وصفه به عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فلا شك في أن ركوبه غرر، وقد اختلف القضاء من عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، في إباحة ركوبه للناس، فمنع من ذلك عمر بن الخطاب وتبعه في ذلك عمر بن عبد العزيز، وأباحه عثمان بن عفان وبإباحته استمر الأمر بعد خلافة عمر بن عبد العزيز إلى هلم جرا، وهو الأظهر لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[يونس: ٢٢] لأنه يبعد أن يعدد الله من نعمه على عباده ما حظره عليهم. ووجه المنع من ذلك أن قَوْله تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[يونس: ٢٢] لما احتمل أن يكون إخبارا بما يفعلون لا يقتضي الإباحة، وجب أن يمنع من ذلك لما فيه من الغرر، تعلق بظاهر قَوْله تَعَالَى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥] وبظاهر قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء: ٢٩] ، وهذا في ركوبه في الحوائج وطلب المال والتجارة وأما في ركوبه في الجهاد والحج، فلا اختلاف في جواز ركوبه في ذلك، لم