من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقبضت حفصة الكتاب، فلما ولي عثمان بن عفان، اختلف الناس في اختلاف القرآن اختلافاً شديداً، حتى إِن كان الرجل ليقول للرجل أَنا أكفُر بالذي تقول، فلما رأى ذلك عثمان بن عفان، بعث إلى حفصة يسألها الكتاب فأتت عليه فأعطاها أيماناً أخذتها عليه لا يزيد فيه حرفاً ولا ينقص منه حرفاً، وأن يردها عثمان بن عفان وجميع القراء، وأرسل إلى البلدان وجميع قراء الناس، حتى إن كان الِإنسان ليأتي بالآية في جريدة فكتبه عثمان بن عفان، وردَّه إليها، وبعث في الأجناد يأمرهم بالقراءة، فلما كان مروان بن الحَكم، أرسل إلى تلك الصحف التي كانت عند حفصة فأَحرقها بالنار.
قال محمد بن رشد: ما تأوّله مالك من أنه إنَّما ترك من مضى أَن يكتبوا في أَول براءة " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " من وجه الإتباع، المعنى فيه، والله أعلم: أنه إنما ترك عثمان ومن كان بحضرته من الصحابة المجتمعين على جمع القرآن البسملة بين سورة الأنفال وسورة براءة، وإن كانتا سورتيِن، بدليل أن براءة كانت من آخر ما أَنزل الله من القرآن، وأَن الأنفال أُنزلت في سنة أربع، اتباعاً لما وجدوه في الصحف التي جمعت على عهد أبي بكر، وكانت عند حفصة. وقَدْ رُوِي عَنِ ابْنِ عًبّاس أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، مَا حَمَلَكُم أَن عَمَدْتُمْ إِلَى الَأنْفَال، وهي مِنَ المَثَانِيَ وَإِلَى بَرَاءَة وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَارَنْتُم بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُما سَطْرَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَوَضَعْتمُوهَا فِي السَّبْع الطُّوَل، مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معنا يَأتِي عَلَيْهِ الزَّمانُ،