من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود. وما تضمنته عن مروان بأنه قضى للمرأة بدعواها على الذي ادعت عليه أنه أرادها على نفسها وكشف عن ثيابها بألفي درهم بما ادعت عليه من كشفه إياها مع الشبهة التي ألحقت التهمة به وحققت الظنة عليه - لا يأخذ به مالك ولا يرى عليه القضاء به، إذ لا يرى العقوبات في الأموال؛ لأن العقوبات في الأموال أمر كان في أول الإسلام، من ذلك ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في مانع الزكاة: أنا آخذها منه، ونظر عزمة من عزمات الإسلام.
وما روى عنه في حريسة الجبل: أن فيها غرامة مثليها. وما روي عنه: من أن سَلَبَ مَنْ أحد وهو يصيد في الحرم لمن أخذه. كان ذلك كله في أول الِإسلام وحكم به عمر بن الخطاب، ثم انعقد الِإجماع بأن ذلك لا يجب، وعادة العقوبات على الجرائم من الأبدان، وقد أنكر ذلك على مروان بن الحكم، فقال على سبيل إنكار ذلك عليه: إنه كان يؤتى بالرجل يقبل المرأة فينزع ثنيته. وهذه نهاية في الِإنكار.
والعقوبات في الجرائم عند مالك على قدر عقوبات الوالي وعظم جرم الجاني على أن لا يجاوز الحد، وقد أمر مالك صاحب الشُّرط في الذي وجد مع صبي في سطح، وقد جرده وضمه إليه وغلق على نفسه معه، فلم يشكوا في المكروه بعينه، أن يضربه ضرباً مبرحاً ويسجنه سجناً طويلاً حتى تظهر توبته، وتتبيّن، فسجنه صاحب الشرط أياماً قبل أن يضربه، فكان أبوه يختلف إلى مالك ويتردد، ويقول: اتق الله فما خلقت النار باطلاً، فيقول له مالك: أجل وإن الذي أبقى عليك ابنك لمن الباطل، ثم ضربه صاحب الشرط أربعمائة سوط، فانتفخ، فمات، فما أكبر ذلك مالك ولا بالى به. فقيل له: يا أبا عبد الله، إن مثل هذا من الأدب والعقوبة لكثير، فقال: هذا بما اجترم، وما رأيت أنه أمسه من العقوبة إلا بما اجترم. وقال مطرف بن عبد الله في المبسوطة: الأدب إلى الحاكم موكل إلى نظره، يؤدب في ذلك